مشعل يسار يكتب | الفيسبوك وحرية التعبير

0

نعيش اليوم في زمن حرب، ناعمة أو خشنة، حسب الحاجة، وإنكار هذه الحقيقة أو عدم ملاحظتها عناداً وإصراراً يعني أنك تنساق انسياقا إلى الهزيمة دون أن تدري. لم تبدأ المرحلة الساخنة بعد، لكن “المعركة” في فضاء الإعلام، في مجال الإيديولوجيا، في المجال الروحي، معركة لا هوادة فيها ولا توقّف. وهي ستكون لاحقاً أكثر سخونة وأكثر قساوة! فالعدو قوي بشكل غير عادي وذكي ومدجج بالسلاح حتى الأسنان وخطير. لقد نشأت وترعرعت في الفضاء الإعلامي الداخلي للبلدان من أقصاها إلى أقصاها أفاعٍ إعلامية أسطورية من حيث قدراتها التي تتجاوز القوة الكلية لجميع وسائل الإعلام المحلية معًا. وهذه القوة ليست ملزَمة بأي معاهدات أو التزامات مع دولنا ومواطنينا.

نحن نتحدث بالطبع عن شبكة التواصل الاجتماعي الأمريكية الهائلة الاتساع، شبكة “فيسبوك Facebook” التي غزت الساحات الإعلامية لتشكل “قوة عظمى” إعلامية تهيمن على أشباه مستعمرات. لذلك، هناك إطلاق نار هادف ومنهجي على صفحات الأفراد والمجموعات وحساباتهم إذا أبدوا حرية غير مرغوبة في التعبير عن آرائهم السياسية ذات الطابع الوطني المناهض للإمبريالية والصهيونبة ومشاريعهما الجهنمية الظاهرة والخفية في منطقتنا وفي أرجاء العالم. وكثيرا ما يتم هذا بموجب وشاية من “صديق” أو “رفيق” لا يعجبه بل يزعجه موقفك لأنه لا يتلاءم وموقفه هو المتلائم عن علم حيناً أو جهل أحياناً مع هذه المشاريع.

يقول محرر جريدة “زفترا” الروسية أندريه فيفيلوف، مثلا، إن مجرد ذكر أوكرانيا في سياق سلبي يعني بالنسبة للعديد من المستخدمين الروس لهذه الشبكة الحظر الفوري من قبل إدارة الفيسبوك. ويتم اختراق حسابات وحظر صفحات لأشخاص مرموقين في مجال الإعلام ولمؤرخين وغيرهم بشكل دائم. كما تم مثلا محو صفحة وكالة أنباء “الربيع” الروسية من دون تفسير ومسح صفحة “الحقيقة” الصحافية وغيرها. أوليست هذه حرباً فعلية، وبطريقة عسكرية فظة وبشكل واضح وممنهج ومن دون “تغنيج” و”تدليع” حين تقوم الـ Facebook بتنفيذ عملية “تطهير” للمعلومات ومقدميها؟

اعتبارًا من ديسمبر عام 2018، يستخدم مليار ونصف المليار شخص هذه الشبكة الاجتماعية يوميًا، ويبلغ عدد مستخدميها النشطين النشطين ملياري مستخدِم. وتوظف الشركة لديها أكثر من 30,000 موظف. لقد أكدت المحاكم والتحقيقات منذ فترة طويلة أن المسؤولين عن وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) يستخدمان الفيسبوك استخدامًا واسعًا لأغراضهم الخاصة بمؤسستيهم، حيث يقومون بجمع المعلومات عن المستخدمين وقراءة مراسلاتهم الشخصية، ويتتبعون تحركاتهم وما شابه. وفي الوقت نفسه، أكد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما حدوث مثل هذه الممارسات بالفعل، لكنه زعم أن هذا ينطبق فقط على أولئك الذين لا يقيمون في الولايات المتحدة. وهكذا، اعترف رئيس البيت الأبيض نفسه لأول مرة علنًا بأن الاستخبارات الأمريكية “ترعى” البشرية جمعاء.

وعن تلاعب الفيسبوك بالرأي العام ودوره التحريضي الهائل في أحداث “الربيع العربي” لا يتكلم إلا الأقل فضولية بين الناس.

في بداية فبراير 2019 ، حجب الفيسبوك 22 صفحة كانت تناقش فيها القضايا السياسية بمشاركة مقدم البرامج التلفزيونية الأمريكي والمنظّر لفكرة المؤامرة أليكس جونز Jones. وفي العام الماضي ، قام مالكو الشبكات العالمية، وفي مقدمتها Google و Facebook و YouTube ، بمسح جميع حسابات جونز وحتى إزالة أية آثار لها على الإنترنت في وقت واحد. هذا “الجَلد” أو “الفلَق” العَراضي المترافق مع إزاحة شخصية عامة معروفة من حقل الإعلام هو أكثر من أمر عارض.

تلك هي شعارات الحرية والديمقراطية التي يرفعها الغرب ومؤسساته الإعلامية، وهي أضحت سلاح إبادة بالجملة للوعي لا يقل فعالية عن الأسلحة التقليدية المعروفة في الحروب، ولا يزال كثيرون مقتنعين بأن الفيسبوك هو ثمرة إبداع طالب، وأن صبيًا اسمه زوكربيرج ابتكره وصممه وهو جالس القرفصاء. الفيسبوك كما نرى أداة مهمة وقوية للغاية لتنفيذ المشروع الضخم للنخب العالمية المتمثل في إعادة “تشفير” البشرية وصولا، في الواقع، إلى تدميرها.

وبالمناسبة ، يعد الـFacebook أيضًا جزءًا من النظام المالي العالمي. فهو يحصل الكثير عبر الإعلانات وبيع الأسهم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.