مصطفى العبد الله الكفري يكتب | تباطؤ الاقتصاد العالمي وأسعار النفط
وفقاً للتقديرات الصادرة عن البنك الدولي في منتصف 2008، احتلت الولايات المتحدة الأمريكية المرتبة الأولى من حيث حجم الناتج المحلّي الإجمالي، واحتلت اليابان المرتبة الثانية ثم ألمانيا في المرتبة الثالثة تلتها الصين واحتلت المملكة المتحدة المرتبة الخامسة. واحتلت فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وكندا والبرازيل وروسيا والهند المراتب من الـ 6 وحتى الـ 12 وتلتها كوريا الجنوبية في المرتبة 13.
وصلت أسعار النفط إلى منعطف خطير، وتوقع بعض الخبراء أن يبلغ سعر برميل النفط حوالي مائتي دولار في نهاية 2008. وسقطت فيما بعد هذه الاحتمالات التي كانت ستشكل كارثة على الاقتصاد العالمي في حال تحققت، لتحل محلها توقعات أكثر اعتدالاً بحيث يتراوح سعر برميل النفط بين ثمانين دولاراً و110 دولارات في نهاية السنة. وتراجع سعر برميل النفط فجأة بمقدار 32 دولاراً في اقل من شهر (تموز / آب 2008). غير أن المحللين يحذرون من ارتفاع الأسعار مجددا في حال عادت مشكلات التزود بالطاقة إلى الواجهة في ضوء أي مستجدات قد تطرأ في العالم كنشوب أزمة سياسية أو عسكرية مع إيران. وكانت إيران قد هددت بإغلاق مضيق هرمز الذي يمر عبره أربعون بالمائة من صادرات النفط العالمية في حال تعرض مصالحها للخطر.
الذي حدث انخفاض سعر برميل النفط في سوق نيويورك من حوالي 147 دولاراً في 11 تموز 2008 إلى حوالي 115 دولاراً خلال أقل من شهر واحد مسجلاً تراجعاً بنسبة تصل إلى 21%. مما أدى إلى تراجع أسعار معظم المواد الأولية التي كانت ارتفعت بموازاة أسعار النفط فتراجع سعر اونصة الذهب من ألف دولار إلى 800 دولار وتراجعت أسعار المنتجات الزراعية ما بين 25 و40% كما تراجع سعر ليتر البنزين في محطات الوقود بحوالي 6% .
يرى البعض أن قواعد العرض والطلب في السوق العالمية للنفط عادت مجدداً، حيث بات المستثمرون يأخذون في الاعتبار تباطؤ عجلة الاقتصاد العالمي ويتوقعون تواصل انخفاض أسعار النفط. إن تراجع النمو الاقتصادي ينعكس على استهلاك الطاقة في الدول الصناعية. على سبيل المثال، تراجع استهلاك البنزين في الولايات المتحدة المعروفة باستهلاك كبير للوقود، في أيار/مايو 2008 إلى ثلث ما كان عليه في الفترة ذاتها من عام 2007. ومن المتوقع يمتد هذا التوجه إلى الدول الناشئة حيث سترغم على إعادة النظر في الدعم الحكومي لأسعار الوقود للحد من استهلاكه. كما تحاول بعض الدول زيادة مخزونها من النفط الذي انخفض في مطلع السنة، وقد سجلت الولايات المتحدة أكبر مستهلكي النفط في العالم زيادة في مخزونها من النفط.
مخاوف الانكماش الاقتصادي في منطقة اليورو:
سجلت منطقة اليورو معدلات نمو اقتصادي تقترب من الصفر وأظهرت أرقام نشرها مكتب الإحصاءات الأوروبي يوروستات، للمرة الأولى منذ إعلان منطقة اليورو، تراجع إجمالي الناتج المحلي في المنطقة بنسبة0.2 % في الربع الثاني من 2008 بالمقارنة مع نمو ضئيل بنسبة 0.7% سجل في الربع الأول من العام. لكن نسبة التراجع ظلت دون التوقعات بعدما كان المحللون صرحوا أنهم يتوقعون أن يبلغ معدل التراجع حوالي 0.3%. وهذا ليس أسوأ أداء لاقتصاد منطقة اليورو منذ إنشائها، فحتى الآن لا تزال أسوأ مرحلة عرفها اقتصاد منطقة اليورو هي تلك التي سجلت في الربع الثاني من العام 2003 حيث بلغت نسبة النمو صفر. ويتخوف عدد من الاقتصاديين من أن يعزز هذا التراجع مخاوف حصول انكماش في منطقة اليورو مستقبلاً. ولا يعتبر الاقتصاد في حالة انكماش إلا إذا سجل الناتج المحلي الإجمالي تراجعاً خلال فصلين متتاليين على الأقل، الأمر الذي لم يحصل بعد في منطقة اليورو.
اليابان تعلن انتهاء مرحلة طويلة من الازدهار الاقتصادي:
أعلنت الحكومة اليابانية في تقريرها الاقتصادي الشهري آب 2008 انتهاء أطول فترة للازدهار الاقتصادي شهدتها اليابان منذ 1945، مشيرة إلى احتمال وقوع انكماش. حيث أكدت الحكومة أن الاقتصاد الياباني يضعف في الآونة الأخيرة، لكنها لم تذكر أي أرقام وامتنعت للمرة الأولى منذ شباط/فبراير 2002 عن استخدام كلمة انتعاش. وهذا يعني إقرار الحكومة ضمنيا بانتهاء فترة الازدهار التي تشهدها اليابان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بعد نمو اقتصادي استمر 78 شهراً. وكان وزير سياسة الاقتصاد والموازنة كاورو يوسانو قد صرح في مؤتمر صحافي أن (الاقتصاد الياباني يدخل مرحلة لا يستطيع المرء أن يبقى متفائلا فيها). وتجدر الإشارة إلى أن الاقتصاد الياباني قد نما بمعدل 11.5% سنويا خلال الفترة 1965 – 1970 بفضل ارتفاع حاد في شراء العائلات للسيارات والتلفزيونات الملونة ومكيفات الهواء. أما في 2007 فقد كان معدل النمو 2.1% فقط. ويعتقد الكثير من الاقتصاديين أن ثاني اقتصاد في العالم يتجه نحو انكماش مؤقت. تراهن الحكومة اليابانية حالياً على نمو اقتصادي 1.3% على مجمل السنة المالية الحالية التي تبدأ في نيسان/ابريل 2008 وتنتهي في آذار/مارس 2009.
أزمة الرهن العقاري في الولايات المتّحدة الأمريكية:
بعد عام من بدء أزمة الرهن العقاري في الولايات المتّحدة الأمريكية، وتحوّلها إلى أزمة ائتمان كبيرة، لا تزال أسواق المال العالميّة هشّة ومؤشّرات المخاطر النظاميّة مرتفعة، بحسب (تقرير الاستقرار المالي العالمي، مستجدّات الأسواق الماليّة)، الذي نشره صندوق النقد الدولي في 28 تموز 2008. برغم التعديلات الكبيرة التي أجرتها الأسواق الماليّة والتدخّلات الاستثنائيّة التي اضطلعت بها المؤسّسات الرسميّة لمعالجة هذه الأزمة.
بلغ حجم وسطي القروض اليوميّة التي سحبتها المصارف الأمريكية من الاحتياطي الفدرالي، خلال أسبوع واحد في نهاية شهر تموز 2008 حوالي 17.45 مليار دولار، ويعد هذا رقماً قياسياً، بعدما سجّل الأسبوع السابق له وسطي إقراض يومي مبلغ 16.38 مليار دولار. كما ارتفعت قيمة القروض الثانويّة، التي يمنحها بنك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي – في حالات الطوارئ – إلى حوالي 89 مليار دولار. ووصل عدد الوظائف التي خسرها الاقتصاد الأمريكي في شهر تمّوز 2008 حوالي 51 ألفاً، ما أدّى إلى ارتفاع معدّل البطالة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى 5.7 في المائة، كما خسر الاقتصاد الأمريكي منذ بداية عام 2008 حوالي 463 ألف وظيفة.
قال الرئيس السابق للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي: إن (تباطؤ الاقتصاد العالمي قد يدفع الولايات المتحدة نحو الركود، وإن لم تنزلق إليه بعد، وأعتقد أن البيانات عند هذه المرحلة في الولايات المتحدة لا تشير إلى ركود، ولكن نحن على الحافة تماماً، وسأكون أكثر اندهاشاً إذا لم نتعرض لركود، بالنظر للوضع المالي. مؤكداً على أنّه من الصعب على أميركا تجنّب الركود.
نلاحظ العلاقة القوية بين أسعار النفط ومعدلات النمو الاقتصادي في مختلف مناطق العالم، الأمر الذي يحتاج دائماً إلى نوع من التوازن في الأسعار وسياسات ترشيد استهلاك الطاقة والمحافظة على معدلات نمو مناسبة والحفاظ على البيئة والكوكب الذي نعيش عليه مجتمعين.