مصطفي كُريَم يكتب | ليس “حوارًا وطنيًا” .. بل “حوار الوطن”
شرفت بحضور الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني التي عقدت في الثالث من مايو الجاري، لا أخفي إنني كنت ذاهبًا إلى جلسة الافتتاح وفي ذهني أنها ستكون جلسة “بروتوكلية” لتبادل الكلمات بين تيارات وأحزاب وشخصيات عامة، حتي وإن اختلفت فيما بينها ولكنها في النهاية تمثل تيارًا وطنيًا لطالما تحدث خلال الفترة الماضية في منتديات ومؤتمرات عديدة، وبقي لدي سؤال يتردد: ما المختلف الذي يمكن أن يحدث؟ وهل هناك جديد يمكن أن تطرحه تلك الجلسة؟
اعترف بأنه قد بدا لي المشهد مختلفًا منذ البداية، وجوه الحاضرين من الشخصيات العامة والحزبية والإعلامية مزيج من مختلف التيارات السياسية والفكرية، ومختلف الأقاليم والجهات الجغرافية، ومختلف المجالات والتخصصات الأكاديمية، تأمل سريع للوجوه يعيدك إلى الوراء لأكثر من 12 عامًا، لتري طيفًا واسعًا من نشطاء ثورة 25 يناير وعددا كبيرًا من رموز ثورة 30 يونيو، بل ووجوه أيضًا من عصور سياسية سابقة.
في كل جلسة من الجلسات، كان التمثيل متراوحًا بين شباب في العشرينيات والثلاثينيات مع أجيال أكبر منهم قد ناهزت أعمارهم الستين وما بعد ذلك، الجميع يطرح عليه نفس السؤال، كانت جلسة ممثلي الأحزاب أصدق الأمثلة على ذلك، حيث من الحضور من يمثل حزبه ويمثل أيضًا تيارات سياسية وائتلافات تكونت لتمنح الحياة السياسية المصرية شكلًا أكثر عملية وواقعية وفاعلية.
حتي في إدارة الاختلاف والخلاف كان الهدوء سيد الموقف، لطالما كنت أخشي في ظل الأعداد الكبيرة من الحضور في أي مؤتمر أو منتدي سياسي من مغبة أي اختلاف قد يفضي إلى ما لا يحمد عقباه، ولكن الحالة كانت حالة حوار بامتياز، حيث يسمع الجميع من الجميع، وإن اختلفوا.
أما المتحدثون فكانوا ممثلين لمصر كلها، حكومة وشعبًا، موالاة ومعارضة، من داخل مصر ومن أبنائها في الخارج، كان حديث السيد الرئيس في كلمته المسجلة حديثًا يحمل الضمانة الأكبر لنجاح ذلك الحوار، وكانت كلمات شخصيات عامة كالسيد عمرو موسي والدكتور حسام بدراوي والسيد حمدين صباحي وغيرهم من ممثلي الأحزاب والتيارات والشخصيات العامة بمثابة رؤي مختلفة يجمعها الحرص الوطني على هذه البلاد.
أشد ما أثار إعجابي أن تري على تلك المنصة من المتحدثين أحد المفرج عنهم حديثًا وهو يطالب بحقوق غيره من السياسيين أو النشطاء الذين سعت لجنة العفو في إخراج المئات منهم ونجحت في ذلك ضمن أحد إنجازات حالة الحوار خلال العام الماضي، ولازال أمامها الكثير لتقدمه.
مشهد رائع لا يقلقني فيه سوي أن يقف الأمر عند هذا الحد، لا أظن ذلك سيحدث، ولكن طبيعة الأحداث الملهمة المبهجة أنها تخلق في النفس أحيانًا شعورًا بأننا قد وصلنا لما نريد، شعور زائف، ولكنه يبدو حقيقيًا، ولكن ما تحقق بالفعل هو كما عبر عنه السيد ضياء رشوان في الجلسة الافتتاحية حين قال: “نجحنا في خلق حالة الحوار ولكن الحوار لم يبدأ بعد”.
ما نحتاجه على الحقيقة هو ثلاثة أمور: نضج سياسي من التيارات والأحزاب والشخصيات العامة، وإنصات واهتمام وتشاركية من الحكومة، وآلية محوكمة لتنفيذ مخرجات الحوار بجداول زمنية وخطوات تنفيذية مقاسة يتم متابعتها من لجان مستقلة … وإذا تم ذلك فسيكون الحوار الوطني هو ثورة جديدة تنطلق بها مصر نحو مكان تستحقه؛ لأن مصر والمصريين يستحقون ما هو الأفضل دائمًا.