مصطفي محمد يكتب | الشباب والحياة السياسية

0

يُنظر إلى الشباب بوصفهم العمود الفقري لأي مجتمع ومصدر طاقته الحيوية، فهم يمتلكون الحماس والقدرة‌‌ على الإبداع، كما يمثلون النسبة الأكبر من سكان معظم الدول، لذلك، فإن إدماجهم في الحياة السياسية لا‌‌ يُعد خياراً ثانوياً، بل ضرورة استراتيجية تضمن للدولة استمرارية مؤسساتها وتجدّد رؤيتها، فالشباب ليسوا‌‌ مجرد متلقين للقرارات، وإنما فاعلون قادرون على صناعة السياسات العامة والمشاركة في رسم مستقبل‌‌
بلدانهم.
تتجلى أهمية مشاركة الشباب في الحياة السياسية ‌‌من خلال عدة أبعاد، أولها البعد الديمقراطي‍‍، إذ تسهم هذه‌‌ المشاركة في تعزيز قيم التعددية والشفافية والمساءلة، ‌‌وثانيها البعد التنموي‍‍، حيث يُدخل الشباب أفكاراً‌‌ جديدة تتناسب مع تحديات العولمة والتطور التكنولوجي، ويعززون قدرة الدولة على التكيف مع المتغيرات‌‌ العالمية، ‌‌أما البعد الاجتماعي‍‍، فيرتبط بدور الشباب في تقوية الروابط الوطنية وتخفيف الفجوات بين‌‌ الأجيال، ما يحقق التوازن والاستقرار داخل المجتمع.
ولعل التجربة الصينية‌‌ تقدم مثالاً واضحاً على الدور المحوري للشباب في النهضة السياسية والاقتصادية. فقد‌‌ أدركت القيادة الصينية منذ عقود أن الشباب هم المورد الاستراتيجي الأهم، فأنشأت مؤسسات ومنظمات‌‌ شبابية أبرزها “رابطة الشبيبة الشيوعية الصينية”، التي تعمل كمدرسة سياسية لتأهيل الشباب، وتزويدهم‌‌ بالخبرات اللازمة لإدارة الشأن العام، هذه الرابطة مثلت منصة مهمة لصعود عدد من القيادات السياسية‌‌
البارزة، وأسهمت في خلق جيل جديد من المسؤولين القادرين على قيادة الصين نحو التحول إلى قوة‌‌ اقتصادية وعلمية كبرى، إن إشراك الشباب في السياسة في الصين لم يكن مجرد شعار، بل سياسة عملية‌‌ انعكست على نجاح الدولة في تحقيق معدلات تنمية عالية والحفاظ على موقعها كقوة دولية صاعدة.
وعلى المستوى الدولي‍‍، هناك العديد من النماذج التي تؤكد هذه الحقيقة، ‌‌فسنغافورة ‌‌على سبيل المثال‌‌ اعتمدت على إشراك الشباب في رسم سياسات التعليم والابتكار، ما جعلها من أبرز المراكز الاقتصادية في‌‌ آسيا والعالم، ‌‌وفي كوريا الجنوبية‌‌ لعب الشباب دوراً أساسياً في الثورة الصناعية الرابعة، من خلال الانخراط‌‌ في مجالات التكنولوجيا والبحث العلمي، وهو ما أسهم في تحول البلاد إلى قوة اقتصادية وتكنولوجية متقدمة،‌‌ حتى في الدول الأوروبية، نرى أن تجديد الحياة السياسية يقوم على فتح المجال أمام الشباب لتولي المناصب‌‌ البرلمانية والوزارية، بما يضخ دماء جديدة في النظام السياسي ويعزز ثقة المجتمع في مؤسساته.
إن مشاركة الشباب في الحياة السياسية ليست مجرد واجب وطني، بل هي حق دستوري يضمن لهم المساهمة‌‌ في صياغة مستقبل أوطانهم، كما أنها تمثل وسيلة فعالة لمكافحة التطرف والانعزال السياسي، إذ يجد الشباب‌‌ في المشاركة السياسية متنفساً لتطلعاتهم وأفكارهم، ما يحد من انجرافهم نحو السلوكيات السلبية أو الاغتراب‌‌
عن قضايا المجتمع.
مما سبق يتضح لنا إن الدولة التي تمنح شبابها المساحة الكافية للتعبير والمشاركة هي الدولة الأقدر على‌ مواجهة التحديات وتحقيق التنمية المستدامة، والتجارب الدولية الناجحة من الصين إلى سنغافورة وكوريا‌‌ الجنوبية تقدم دليلاً واضحاً على أن إشراك الشباب في الحياة السياسية هو الطريق الأمثل لضمان نهضة‌‌ حقيقية وبناء مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.