مها سليمان تكتب | الذكاء الاصطناعي وسوق العمل

0

في الأزمنة التي تكتب ملامحها بلغة التكنولوجيا وتعاد صياغة مفاهيمها من خلال الخوارزميات لم يعد الاستقرار المهني كما كان كل ما هو ثابت بات مهددًا وكل ما هو مألوف أصبح عرضة للزوال من قلب هذا المشهد المتغير يظهر الذكاء الاصطناعي كقوة تحول عظمى تحمل في طياتها وعودًا براقة ومخاوف مشروعة وتغيرات جزريه في حياه الانسان ، في تقرير صدر في 14 يونيو 2023 تم تسليط الضوء على واقع قد يبدو صادمًا: تقنيات الذكاء الاصطناعي مرشحة لأن تحل محل ما يعادل 300 مليون وظيفة بدوام كامل حول العالم التقرير أشار بوضوح إلى أن نحو ربع الوظائف في الولايات المتحدة وأوروبا باتت مهددة ليس فقط بسبب القدرة على الأتمتة بل أيضًا بسبب التوجهات الاقتصادية التي ترى في التقنية وسيلة لترشيد النفقات وتحسين الكفاءة
لكن الخطر الحقيقي لا يكمن في الذكاء الاصطناعي ذاته بل في فجائية التغييروهنا نتحدث عن صدمه وفاجعه حقيقيه تمس أمان الأسر والمجتمعات فما كان بالأمس مهنة آمنة قد يصبح اليوم علي قوائم العاطلين وما كان طريقًا مرسومًا لمستقبلٍ مهني قد يتحول فجأة إلى سرداب مظلم بلا معالم واضحة.
وهنا تأتي قيمة المرونة الإنسانية أن تكون قادرًا على التكيف فالانحناء أمام العاصفة لا يعني الانكسار بل النجاة. نحن نعيش في زمن التحولات Transitions وأصبحت جزءًا من طبيعة الحياة لا استثناءً منها هذه التحولات لا تطرق الأبواب بل تقتحمها وتفرض شروطها تاركة لنا مساحة وحيدة للمناورة: الاستعداد والمرونه Unanticipated Transitions والتكيف ومن بين تلك التحولات مايُعرف ب
“التحولات غير المتوقعة” لحظات من التغيير الجذري تفرض نفسها دون سابق إنذار وكأن الحياة ترفع البطاقة الحمراء وتدفعنا للخروج من الملعب دون أن تشرح السبب
عن نيتها فى الاستغناء عن 382 زظيفة من مكاتبها المنتشرة حول العالم BBC أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية مع ايقاف عدد من اذاعاتها بغات متعددة من بينها اللغة العربية .
هذا القرار لم يكن وليد تراجع في الأداء بل جاء كمحاولة للبقاء في مشهد إعلامي يتغير بسرعة مدفوعًا بتحولات اقتصادية حادة وتوجه متزايد نحو الخدمات الرقمية .
هذه الاذاعة ليست مجرد مؤسسة إعلامية بل جزء من الذاكرة الجماعية لقرابة قرن من الزمان إذ ظلت تقدم محتواها لما يزيد عن 84 عامًا. أن تضطر مؤسسة بهذا الثقل لاتخاذ مثل هذا القرار فإن ذلك يحمل دلالات عميقة: حتى المؤسسات العريقة لم تعد بمأمن من التحولات العنيفة ، وإذا نظرنا إلى سوق العمل في مصر نجد أنه يعاني من اختلالات هيكلية مزمنة تتفاقم بفعل الظروف الاقتصادية العالمية والتغيرات التقنية ومعدلات البطالة المرتفعة بين الشباب
وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بلغت معدلات البطالة في الفئة العمرية من 15 إلى 29 عامًا ما يزيد عن 60% من إجمالي العاطلين عن العمل في ظل فجوة واضحة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل ، ومع دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى بعض القطاعات كالمصارف وخدمة العملاء والإعلام، بات هناك خطر مزدوج: إما فقدان وظائف تقليدية دون توفر بديل حقيقي أو توسيع الفجوة التكنولوجية بين من يمتلك المهارات الرقمية ومن لا يمتلكها، في مثل هذا السياق تصبح مسألة إعادة تأهيل القوى العاملة وتطوير سياسات تعليم وتوظيف ذكية ضرورة وطنية لا تحتمل التأجيل، وإلا فسيصبح المستقبل حكرًا على من يواكب، ويُقصى منه من يتأخر
فما بالك بالأفراد؟
في عالم كهذا أصبح من السذاجة أن نخطط لمستقبل مهني بخط مستقيم. نحن بحاجة إلى خطط بديلة ومهارات متنوعة ونظرة واقعية لا تستسلم للتشاؤم لكنها لا تنكر الحقائق ، فالمستقبل لا يرحم الجمود لكنه يكافئ القادرين على التكيف أولئك الذين يرون في كل انهيار فرصة لإعادة البناء وفي كل نهاية بداية جديدة.
خاتمة:
لقد تغيرت قواعد اللعبة فالعمل لم يعد ضمانًا والمؤسسة لم تعد حائطًا صلًا، والمهنة لم تعد حصنًا. نحن نعيش زمنًا يُعاد فيه تشكيل كل شيء من طريقة التعليم إلى طبيعة الوظائف و من مفاهيم النجاح إلى تعريف الأمان نفسه فليكن رهاننا على أنفسنا: على وعينا وعلى تطويرنا المستمر وعلى إيماننا بأن التحول مهما بدا قاسيًا قد يكون سبيلًا لاكتشاف ذاتنا من جديد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.