مونيكا وليم تكتب | العاصمة الإدارية الجديدة (1 – 2)

0

يدرك بعض المتخصصين أهمية المشاريع القومية الجديدة، لكن الكثير لا يعرفون ذلك. ويعتقد آخرون أن إنشاء مدن جديدة ليس بالأمر الضروري لاسيما في ضوء المتغيرّات السياسية المتصاعدة والظروف الاقتصادية العالمية والتي تفرض بدورها مزيدًا من الأعباء التي تؤثر سلبًا على مساعي الدول لتحقيق التنمية.
ألا انه قد شهدت الخريطة المصرية انتشارًا واسعًا ومتواليًا للمدن الجديدة لتوسيع وتعزيز دائرة التنمية والتحضر خارج المناطق التقليدية المكتظة والمركزة من الناحية الحضرية والكثافة الاقتصادية.
في هذا السياق، تبنت الدولة المصرية رؤية جديدة تستهدف إعادة هندسة المشهد الجيو-اقتصادي لمصر وتوسيع دائرة التنمية والعمران وإيجاد مناطق فى الصحراء من شأنها خلخلة الكتلة العمرانية القائمة، وجذب الكثافة السكانية من الوادي الضيق إلى مدن جديدة تتوافر بها عوامل جذب أساسية ومن ثم بدأت مصر مشروعًا طموحًا لبناء عاصمة إدارية جديدة، والتي تعتبر من المشروعات الوطنية التي اعتمدتها الدولة في إطار مساعيها لمعالجة للمشاكل الهيكلية للعاصمة القديمة التي يتمثل معظمها في سوء التخطيط، وضعف البنية التحتية، وعدم جاهزيتها لتحقيق رؤية مصر 2030 ، كما تهدف العاصمة الجديدة إلى تحويل مصر إلى دولة ذات اقتصاد رقمي قائم على المعرفة، اقتصاد يتوسع في الثورة الصناعية الرابعة وقادر على تقديم خدمات مميزة للمواطنين والمستثمرين. وتهدف إلى إنشاء مدينة حديثة ومستدامة بمواصفات “دولية” لاستيعاب النمو السكاني المستقبلي وتوفير مركز للأنشطة الاقتصادية والإدارية والثقافية.
ومع ذلك، لا تزال تُثار العديد من الأسئلة حول أولوية بناء عاصمة جديدة في الوقت الحالي، وفي ظل معدلات التضخم المرتفعة والمصاحبة للأزمة الاقتصادية العالمية؟ هل إنشاء عاصمة جديدة هو حلًا مضمونًا لمشكلات الازدحام؟ هل تمثل أنظمة الإدارة المعتمدة في العاصمة الجديدة نمطًا مختلفًا من حيث تعزيز اللامركزية وتحقيق التنمية؟
استُلهمت فكرة إنشاء عاصمة إدارية جديدة من التجارب الدولية الناجحة في إعادة تأسيس عواصمها، وبذلك لم يقتصر النهج في إنشاء عواصم بديلة على بلد معين أو منطقة محددة، بل انتشر في البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء لأسباب تتنوع ما بين السياسية والاقتصادية والديمغرافية، ويتعاطى كل بلد معه وفقًا لظروفه الداخلية المختلفة والسياسات الحضرية التي تتفق مع مشاكله وفرصه.
فعلى مدار الخمسين عامًا الماضية فقط أقدمت 13 دولة على إنشاء عواصم بديلة مثل البرازيل وكازاخستان وماليزيا، وقد أثبتت تلك السياسة نجاحها في إعادة رسم البعد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للدول، وتحويلها إلى مدن جديدة يمكنها أن تحقق طفرات تنموية.
عند التمحيص في تجربة العواصم الجديدة بالسياق الدولي، يتبين ان هناك أمثلة عديدة تُظهر الفوائد المحتملة لها، فعلى سبيل المثال، يمكننا النظر إلى مشروع “ماسدار” في ماليزيا، الذي تم إنشاؤه كعاصمة إدارية جديدة في العام 1999 الذي جعل الحكومة تنتقل من العاصمة التاريخية كوالالمبور إلى المدينة الجديدة، وقد ساهم في تخفيف الازدحام وتحسين البنية التحتية وتعزيز التنمية الاقتصادية في المنطقة.
كما ان هناك العديد من البلدان التي اتخذت قرار تغيير عواصمها. فقد قررت البرازيل في عام 1960 نقل عاصمتها من ريو دي جانيرو إلى برازيليا، وفي عام 1997 انتقلت كازاخستان عاصمتها من ألماتي إلى أستانة، بينما انتقلت باكستان عاصمتها من كراتشي إلى إسلام أباد في عام 1963 كما انتقلت بعض البلدان العواصم التاريخية القديمة إلى مدن حديثة أخرى، مثل تركيا التي انتقلت عاصمتها من اسطنبول التاريخية إلى أنقرة في عام 1923، ونيجيريا التي انتقلت عاصمتها من لاجوس إلى أبوجا في عام 1991.
علاوة على ذلك، هناك أيضًا دول عديدة قامت بمشاريع تطوير حضري مماثل بشكل كبير. فعلى سبيل المثال، مدينة سونجدو الدولية للأعمال في كوريا الجنوبية، وهي مدينة مخططة تم بناؤها من الصفر بالقرب من إنتشون. صممت كمدينة ذكية ومستدامة، حيث تستخدم تقنيات متقدمة لإدارة الطاقة وتوفير المساحات الخضراء والمباني الذكية ونظم النقل الفعالة وأيضا مدينة الملك عبد الله الاقتصادية في المملكة العربية السعودية، وهي مشروع تنمية ضخم على ساحل البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية، تهدف إلى أن تكون مركزًا لمختلف الصناعات، بما في ذلك التصنيع والخدمات اللوجستية والسياحة والتمويل وتضم المدينة بنية تحتية حديثة ومناطق سكنية ومناطق تجارية ومرافق ترفيهية.
جميعها أمثلة توضح أن العديد من البلدان قامت بمشاريع تطوير حضرية طموحة لمعالجة تحديات مختلفة وللاستفادة من الفرص الاقتصادية المتاحة بل وخلق فرص تنموية واعدة. بالإضافة إلى ذلك عادة ما يتم التركيز في هذه المشاريع على الممارسات المستدامة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتخطيط الحضري الشامل لإنشاء مدن حديثة وفعالة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.