ميسون البياتي تكتب | الكساد الكبير والفنون

0

أحدثت الولايات المتحده الأمريكيه 4 رجات إقتصاديه كبرى متعمده في تاريخ العالم الإقتصادي من أجل تحقيق غايات ومآرب سياسيه لا علاقة لها بالمال

الرجه الأولى كانت عام 1845 عندما أرسلت سفن محمله بدرنات بطاطا مريضه الى آيرلندا فأنبتت محصولاً تالفاً جعل المجاعه تعم أوربا فوقع ربيع الثورات الأوربيه عام 1848 وعم هذا الربيع ليصل الى الصين فيقتل قرابة 50 مليون إنسان فيها , ثم يصل الى أمريكا اللاتينيه فيقتل عشرات الملايين من أبنائها , ونتيجة لذلك سقطت إمبراطوريات عتيده حول العالم إستولت الولايات المتحده على مستعمراتها

الرجه الثانيه كانت عام 1929 بوقوع ما يعرف بالكساد الكبير الذي كان من أول تداعياته وقوع الحرب العالمية الثانيه التي أشعلتها الولايات المتحده الأمريكيه في أوربا لسبب رئيسي مهم بالنسبه لسياستها الخارجيه وهو تدمير عصبة الأمم التي أسستها بريطانيا بعد نهاية الحرب العالميه الأولى ورفضت الولايات المتحده التوقيع عليها أو على أي من مقرراتها لأن الولايات المتحده كانت تريد لنفسها هيمنة أكبر على مقدرات العالم مما منحته لها العصبه . بنهاية الحرب العالميه الثانيه تدمرت عصبة الأمم فأسست الولايات المتحده على أنقاضها ما نعرفه اليوم بهيئة الأمم المتحده التي لأمريكا فيها الولاية المطلقه على العالم .. مع هامش تافه من الهيمنه لبقية الدول دائمة العضويه

الرجه الإقتصاديه العالميه الثالثه كانت في العام 1973 بإعلان نيكسون وهنري كيسنجر عن سياسة امريكا الماليه الجديده ولإبتكارها للبترودولار . فبعد خروج بريطانيا من الهند ثم من قناة السويس ثم من حامية عدن ثم من مشيخات الساحل المهادن , تضاءل النفوذ البريطاني العالمي عما كان عليه من قبل ولهذا سعت الولايات المتحده للسيطره على جميع دول العالم قاطبة بسياسة البترودولار التي تتلخص بأن لا يسمح للدول المصدره للنفط أن تبيعه بغير الدولار , وهكذا أصبحت الولايات المتحده تطبع دولارات قيمتها لا تساوي أكثر من قيمة الورق المطبوعه عليه , لكن جميع دول العالم مجبره على شراء وتداول هذه العمله لأنها اذا إحتاجت شراء الوقود فلن تتمكن أبداً من شرائه بغيرها

الرجه الرابعه والتي تعرف بالضائقه الإقتصاديه العالميه وقعت في العام 2007 وما زلنا نعاني منها لحد اليوم هدفها ضعضعة إقتصاد العالم بشكل عام وإنهاك إقتصاديات دول الشرق الأوسط على وجه الخصوص قبل إعلان ربيع الثورات العربيه وما يحصل اليوم في الخليج من مهاترات ليس إلا واحد من تداعيات هذه الضائقه

نعود الى الكساد الكبير الذي وقع عام 1929 والذي كان على حكومة الولايات المتحده أن تضر بمصلحة مواطنيها أولاً من أجل نشره الى العالم . من أجل أن تتمكن الحكومه الأمريكيه من تعويض مواطنيها بعض ما أصابهم من ضرر بسبب ممارساتها قامت بتأسيس ( مشروع الفن الفيدرالي ) بين عامي 1935_ 1943 وهو برنامج لتمويل الفنون البصرية في الولايات المتحدة هدفه إغاثة وتوظيف الفنانين والحرفيين لعمل الجداريات واللوحات والنحت والرسم وعمل الملصقات والتصوير الفوتوغرافي وتصميم المناظر الطبيعيه والمناظر المسرحيه والتصوير الفوتوغرافي وانتاج الحرف الفنيه اليدويه . كان لمشروع الفن الفيدرالي أكثر من 100 فرع في كل البلاد قامت بتشغيل 10 آلاف فنان عاطل عن العمل

( مشروع الموسيقى الفيدرالي ) الذي تعتبره حكومة الولايات المتحده مشروعها رقم واحد مهمته تشغيل الموسيقيين وقادة الفرق الموسيقيه والملحنين خلال فترة الكساد الكبير , إضافة الى تنظيمه آلاف الحفلات الموسيقيه وفتحه عشرات المعاهد والمدارس لتعليم الموسيقى وتأسيس مختبرات للملحنين و منتديات للموسيقيين واستضافة المهرجانات الموسيقية وتأسيس 34 فرقه سمفونيه جديدة . زار العديد من الناس هذه الحفلات السمفونيه لنسيان المشقة الاقتصادية التي عانوا منها ذلك الوقت

( مشروع المسرح الفيدرالي ) قام هذا المشروع بين عامي 1935 _ 1939 وهو برنامج مخصص لتمويل المسارح والعروض الفنية الحية الأخرى وبرامج الترفيه في الولايات المتحدة خلال فترة الكساد الكبير . تم إنشاء المشروع ليس كنشاط ثقافي ولكن كإجراء إغاثة لتوظيف الفنانين والكتاب والمخرجين وعمال المسرح . تم تأسيس مسارح إقليمية قامت بتقديم جميع انواع العروض المسرحيه وشجعت التجريب في أشكال وتقنيات جديدة ، وجعلت من الممكن لملايين الأميركيين رؤية المسرح الحي للمرة الأولى . انتهى مشروع المسرح الفيدرالي عندما ألغي تمويله بعد اعتراضات الكونغرس القوية على النغمة السياسيه اليساريه لنسبة صغيرة من إنتاجه

الكتّاب وصانعو الأفلام والمصورون تأثروا كثيراً بما وقع في النصف الأول من القرن العشرين الحربان العالميتان والكساد الكبير إضافة الى ثورات وإنقلابات وحروب محليه مصغره . في أمريكا اللاتينيه بدأ الكتّاب يلاحظون ما يجري خارج بلدانهم , بينما شعراء وكتّاب آخرون بدأوا يتحدثون بمواضيع اخرى مثل مأزق سكان البلاد الأصليين مع وجود المستعمر واللاعداله الإجتماعيه . واحده من أشهر روايات أمريكا اللاتينيه في تلك الفتره هي للروائي الفنزويلي ( رومولو غاليغوس ) عنوان الروايه ( دونا باربارا ) تتحدث عن اللاعداله في المجتمع الفنزويلي وهيمنة الولايات المتحده الأمريكيه على مقدرات البلاد

في داخل الولايات المتحده كتب المؤلفون عن الإفلاس الإقتصادي وعن حقيقة وأسباب الكساد والأوضاع الإجتماعيه القاتمه التي رافقت الكساد لعل أشهرها على الإطلاق هي رواية ( عناقيد الغضب ) لجون شتايبنبك التي كتبها عام 1939 وفاز عنها بجائزة بوليتزر في 1940
تعد هذه الرواية من أكثر أعمال شتاينبيك شهرة ، وفيها يصف حالة عائلة فقيرة من أوكلاهوما هاجرت إلى كاليفورنيا خلال الأزمة الاقتصادية في الثلاثينات من القرن العشرين
تصور الرواية حياة الطبقة العاملة وشرائح المعدمين والمهمشين ، الذي يعد شتاينبك واحداً منهم ، فقد ولد في ساليناس بكاليفورنيا وفي شبابه عايش الطبقات المطحونة وعانى الظلم الطبقي الذي ميز المجتمع الأمريكي حيث عمل سائساً في حظيرة للدواب فترة ثم قاطفاً للفواكه في إحدى المزارع ثم عامل بناء منازل . تحكي الرواية عن جبروت القحط وعن سراب الحلم الأمريكي الذي اجتذب آلافاً بل ملاييناً من المواطنين داخل وخارج أمريكا، عن مأساة ملايين من الأمريكيين الذين دُمرت حياتهم خلال كارثة الكساد الاقتصادي الكبير التي اعترت أمريكا عام 1929 والجفاف العظيم الذي دهمها في الثلاثينيات . قال شتاينبك عن الروايه : أريد أن أضع علامة عار على جبين الأوباش الجشعين المسؤولين عن الكساد الكبير.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.