ندي شوقي عبد اللطيف يكتب | المشهد الإقليمي

0

في هذه اللحظة الفارقة، يتأرجح إقليمنا بين خيارين، إما الانفجار الشامل باحتكام الأطراف المتنازعة به لقوة السلاح الغاشمة، لفرض سطوتها وشروطها على المشهد برمته، عقب اغتيال إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في طهران، وانزلاق المنطقة نحو حرب شاملة، والخيار الثاني أن يعود الجميع خطوة للوراء، ويقدموا لغة العقل والمنطق على لغة التهديد والوعيد، بإبرام صفقات تحفظ ماء وجه الجميع والمصالح الحيوية لهم.

وما بين الخيارين تعيش المنطقة فترة عصيبة وخانقة ملمحها الرئيس تعمد إسرائيل وصقورها التصعيد المستمر دون منح مساحة، ولو صغيرة، للتوافق وتقريب وجهات النظر، وذلك من خلال مواصلتها سياسة الأرض المحروقة في قطاع غزة والضفة الغربية، واغتيال قيادات حماس وحزب الله اللبناني، بينما تواصل الولايات المتحدة دعمها ومساندتها غير المحدودة سياسيًا وعسكريًا لتل أبيب، وتأكيدها الدائم أنها ستدافع عنها حال تعرضها لهجوم إيراني مرتقب، انتقامًا لمقتل هنية والانتهاك الإسرائيلي لسيادة الأراضي الإيرانية.

وبينما ينتظر كثيرون إطلاق الرصاصة الأولى في الحرب الإسرائيلية الإيرانية، وتتصاعد المخاوف والتحذيرات بشأنها وما سيليها من سيناريوهات كارثية على مختلف الأصعدة الأمنية والسياسية والعسكرية والمالية والاقتصادية، فإنه من الأهمية بمكان عدم الانسياق خلف نغمة الحرب المتوقعة لعدة اعتبارات، أهمها أن المتصارعين في الإقليم يدركون جيدًا أنه لن يخرج منهم أحد منتصرًا يحمل فوق رأسه أكاليل الغار، وأن خسائرهم ستفوق بكثير مكاسبهم الظاهرية، وأن أسس اللعبة منذ البداية محددة بالنقاط وليس بالضربة القاضية، بمعنى توجيه ضربة يتم الرد عليها بأخرى .

فإسرائيل غير مستعدة ولا مجهزة لخوض معارك طويلة الأمد، وإذا توقفت الإمدادات اللوجستية والأسلحة والذخائر من أمريكا سوف يصيبها الشلل التام، ولهذا فإنها تفضل دومًا الضربات الخاطفة والموجعة، مثل استهداف الرؤوس الكبيرة المحيطة بزعيم حزب الله حسن نصر الله، والبنية التحتية للحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب، وارتداء ثوب الضحية التي يحق لها الدفاع عن نفسها في مواجهة مَن يتربصون بها لإلحاق الأذى بها، وإجهاض كل التحركات الدولية الرامية لإدانتها ومعاقبتها على مذابحها ومجازرها بحق الشعب الفلسطيني المسحوق تحت نير الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى تمكينها بواسطة واشنطن من البقاء الطرف الأقوى بموازين القوة في الشرق الأوسط المتحكمة في خيوط اللعبة.

على الطرف الآخر، حيث توجد إيران التي تعرضت لعدة هجمات في الأشهر الأخيرة طالت مسئولين كبارًا في الحرس الثوري وبرنامجها النووي، ثم هنية، فإن قادتها يدركون أن نتانياهو وحكومته اليمينية المتطرفة يحاولان استدراجها لفخ الحرب الذي سيؤثر حتمًا على اقتصادها المأزوم وقدراتها العسكرية، في الوقت نفسه فإنها واقعة تحت ضغط الرأي العام الداخلي المترقب ردها على سلسلة الاعتداءات الإسرائيلية المتتالية لكونها تمس الكرامة والسيادة الوطنية ولا مهرب من الثأر المؤلم.

إذن فإن طهران تقف بين نارين، وسنرى كيف ستتصرف حيال هذه المعضلة؟

قياسًا على حوادث سابقة أشد وطأة وحدة، فإنها على الأرجح ستتعامل برزانة وتوازن وفطنة، وبما يحفظ صورتها أمام الرأي العام داخليًا وخارجيًا، مستغلة مواضع وركائز نفوذها في لبنان واليمن والعراق بتوجيه ضربات تستهدف الداخل الإسرائيلي، والممرات البحرية التي تسلكها سفنها، كما أنها تدرك الفوارق في بعض الإمكانات والقدرات العسكرية التي تمنح تل أبيب أفضيلة فيها بأرض المعركة، وهي سلاح الطيران.

واعتقادي الشخصي أن الاحتمال الأقرب للتحقق سيكون متابعة الجانبين حرب الاستنزاف وصفعات أجهزة المخابرات، وغالبيتها غير منظورة للعامة، من أجل المحافظة على نقاط النفوذ التي تستغل عند الجلوس على طاولة المفاوضات، وأحسب أنه يدور في الكواليس العديد من المناقشات والتفاهمات التي تحول دون نشوب حرب سيحترق الجميع بشظاياها المتطايرة هنا وهناك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.