نهاد أبو غوش يكتب | الإعلام والتراث والهوية الوطنية
يرتبط دور الإعلام تجاه التراث بأهمية التراث نفسه، فالتراث هو المنجز الحضاري التراكمي الذي يرمز لهوية شعب ارتبط بهذه الأرض وعليها طوّر ثقافته وإسهاماته الحضارية، المشروع الصهيوني لم يسع فقط لاقتلاع الشعب من أرضه وتهجيره، وإنما سعى كذلك إلى شطب هويته الوطنية وتبديدها، وخير من يعبر عن هذه الهوية هو التراث الذي يرمز إلى شخصية الشعب وسماته وأنساق معيشته، فمن دون شطب الهوية الوطنية والتراث (ومحاولات سرقته وادعائه لاحقًا) تسعى الصهيونية إلى تحويل الفلسطينيين إلى مجرد “سكان” ، أي تجمعات سكانية متناثرة وليس شعبًا، السكان لهم حقوق مدنية في الحياة والعمل والسكن ولكن ليس لهم حقوق سياسية كجماعة، بينما الشعب له حقوق وطنية وأبرزها حق تقرير المصير.
يمثل التراث أنماط حياة الناس وعلاقتها بأرضها وبيئتها الطبيعية، فمثلا أزياؤنا تلائم طبيعة أعمالنا الفلاحية، والمدنية وعلاقتنا بالأرض، التطريز الفلاحي الفلسطيني يعكس موجودات البيئة الفلسطينية وطريقة الحياة، مأكولاتنا هي ابنة بيئتنا وأرضنا، أغانينا وفولكلورنا الوطنية تمثل طريقة حياتنا في وطننا وأرضنا، حين جرى اقتلاعنا من أرضنا وتهجيرنا وتشتيتنا على المنافي، كان من المنطقي أن نفقد كل أشكال الثقافة والتراث التي ترمز لعلاقتنا بأرضنا، تطورات الحياة الحديثة والمعاصرة والحياة في مدن كبيرة والتعامل مع التكنولوجيا ومنجزات الحياة الحديثة كان يمكن له أيضًا أن يبدد عناصر تراثنا، لكن نشوء أجيال جديدة متمسكة بهويتها وبتراثها أمكن بفعل التربية والثقافة ووسائل الإعلام، التي تنقل للفلسطينيين في أميركا أغانيهم وأهازيجهم فلكلورهم فيعيدون تعلمها وتعليم الأجيال الناشئة لها، كذلك في قطاع غزة ما زالت النسوة المنحدرات من المجدل وأسدود وبئر السبع والقرى المهجرة يتمسكن بأزياء جداتهن من باب التمسك بالهوية وحق العودة.
يمكن للتراث أن ينقرض أو أن يصبح جزءًا من مقتنيات المتحف أو مجرد احتفال فلكلوري بالذكريات، لكنه في الحالة الفلسطينية يصمد ويبقى ويتحول إلى عنوان للتمسك بحق العودة والاحتفاظ بالهوية الوطنية.