نهاد أبو غوش يكتب | وقت مستقطع للحرب

0

انتهت الجولة الأكثر وحشية في حياة الشعب الفلسطيني، وفي تاريخ الحروب الحديثة. سنتان طويلتان ثقيلتان تخللتهما كل صنوف العذاب والمعاناة لشعبنا في قطاع غزة، ارتكبت فيها إسرائيل شتى أنواع جرائم الإبادة والتطهير العرقي وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ثم عملت على مدّ الحرب واستنساخها في الضفة مثلما جرى في مخيمات الشمال.
خلال سنتين من الاستباحة لكل شيء، للحياة وللقانون الدولي والأخلاق، شاهد مئات ملايين البشر جرائم الحرب تبثّ بالصوت والصورة على الهواء مباشرة وقت حصول الحدث: من قصف الأبراج والمباني وتهديمها على رؤوس ساكنيها، إلى استهداف مراكز الإيواء وإحراق الخيام بقاطنيها من النساء والأطفال، إلى تدمير المستشفيات وقتل الفرق الطبية والصحفيين وفرق الدفاع المدني، إلى تجويع أكثر من مليوني إنسان وحرمانهم من أبسط مقومات الحياة، وتهجير مئات آلاف البشر المرة تلو الأخرى، والعالم يتفرج على ما يجري، فالنظام الدولي – الرسمي- وقف عاجزا عن التدخل، وبدا شريكا ومتواطئا في كثير من فصول الحرب، أما الشعوب فتحركت وتحرك أحرارها، لكن إيقاعها وتأثيرها كان أبطأ من آلة الحرب والتدمير.
الحرب لم تنته بعد، ربما انتهى الفصل الأكثر دموية فيها، فالاحتلال والحصار ومصادرة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني كلها وجوه للحرب والاضطهاد. والرئيس ترامب تحدث عن كل ما هو هامشي تقريبا في خطابيه في الكنيست وشرم الشيخ، فأشاد بالزعماء الحاضرين ووزارئه ومستشاريه وصهره وابنته، وتغزل بجورجيا ميلوني، ولكنه تجاهل عامدا الفلسطينيين وحقوقهم السياسية وموقفه من حل الدولتين، حتى وثيقة شرم الشيخ أغفلت أهم شروط السلام وهي إنهاء الاحتلال وتلبية حقوق الشعب الفلسطيني.
في ظل استمرار حكم اليمين المتطرف في إسرائيل، ليس مستبعدا استئناف العدوان، فمخططات التهجير لم تغادر العقلية الإسرائيلية، ويواصل الاحتلال الضغط على الشعب الفلسطيني وحرمانه من حقوقه وموارده، والتنغيص عليه في كل المجالات حتى تصبح الحياة أمرا بالغ الصعوبة، وهي تمارس ضد الفلسطينيين في الضفة كما في غزة دونما صلة لهذه بالجثث ولا بسلاح المقاومة، وإشكاليات خطة ترامب.
حصيلة الحرب حتى الآن تؤكد فشل مخططات التهجير والتطهير العرقي بفعل صمود الشعب والمقاومة، وحملات التضامن العارمة التي قام بها أحرار العالم دونما انقطاع، وبفعل خسائر إسرائيل التي فاقت التوقعات وأهمها انكشاف وجهها الحقيقي وتاريحها القائم على ارتكاب المجازر وخرق القانون الدولي، ما أدى إلى تشديد عزلتها، وخسارتها للقناع الحضاري الناعم الذي كان يغطي على سياسات التوحش، علاوة على تاثيرات الحرب على الأوضاع الداخلية في إسرائيل وتعميق التصدعات والشروخ، وزيادة الشكوك حول حقيقة “الحلم الصهيوني”، ولكن في المقابل ما زالت إسرائيل تملك أدوات قوة لا يستهان بها أهمها الدعم الأميركي المطلق، ونظام دولي عديم التاثير بسبب شلل مؤسساته، وحالة عربية مهلهلة تراوح بين التواطؤ والعجز، وانقسام فلسطيني كان وما زال يوفر ثغرات واسعة للتدخل في شؤوننا الداخلية.
لم تجرؤ إسرائيل على إظهار كل وخشيتها في بداية الحرب، لكن الصمت والتخاذل والعجز شجعوها على التمادي في جرائمها، وهي راهنت على الاستفراد بالفلسطينيين وحسم الصراع بفارق القوة الهائل الذي تملكه، لكن معادلة الاستفراد كسرت جزئيا ومؤقتا من قبل قوى المقاومة العربية أولا، ثم من موجات التضامن الدولي الذي أعاد القضية الفلسطينية إلى صدارة قضايا العالم، ما جعل فلسطين رمزا أيقونيا لقضايا العدالة والضمير الإنساني. ولا شك أن عوامل القوة والضعف هذه كلها كانت حاضرة في المعادلة التي دفعت ترامب إلى طرح خطته، وفي ضوء صعوبة وخطورة الحلقات المقبلة من الخطة، يبدو ملحّا أكثر من أي وقت مضى، معالجة نقطة الضغف الرئيسية والأهم وهي الانقسام الفلسطيني، ففي ظل الانقسام لا المقاومة تكون ناجعة وتعطي النتائج المرجوّة، ولا المونة والسياسة الواقعية تؤتي أكلها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.