هاجر محمد موسى تكتب | ضحايا الرأسمالية الحديثة

0

تعاني المجتمعات الحديثة من التصنيف الجديد للفقراء المرتبط باختلاف مفهوم الفقر، والذي كان سابقا حالة من الحرمان المطلق المرتبط بعدم توافر الغذاء المناسب، وعدم القدرة على الوصول إلى السلع الأساسية، وهي الحاجات الأساسية للبشرية،
وعدم القدرة على الحصول على الغذاء والمأوى والملبس والوقود، حيث أصبح الفقراء لديهم معايير الرفاهية الأعلى، التي تتوافر اليوم كالحصول على الكهرباء، والرعاية الصحية الحديثة، والأجهزة الإلكترونية، ولكن الفقر أصبح حديثا، هو عدم حصول الأفراد على عمل مضمون وأجور كافية، أو الحصول على السكن والغذاء بأسعار معقولة بجانب التحصيل للأموال، التى تكفل شراء الملابس، التى تحاكي صيحات الأزياء، كما يفعل الجميع.
لا أحد في الماضي، كان بإمكانه الوصول إلى معايير الرفاهية المرتفعة المتوافرة اليوم. لذلك تتضح أهمية الرأسمالية والتطور التكنولوجي، الذي ساهم في إنتاج سلع جديدة، لم تكن موجودة في الماضي، مثل الكهرباء، والرعاية الصحية الحديثة، والتعليم، وتكنولوجيا الاتصالات، والسلع، ووسائل المواصلات الحديثة، والأجهزة الكهربائية، التى يمتلكها الجميع في كل الطبقات الاجتماعية، ما حقق حياة كريمة للجميع. وفقا لذلك هل نجح النموذج الرأسمالي في إصلاح حياة الإنسان، أم كان سببا للفقر بسبب عدم قدرة الغالبية على مواكبة التطور الرأسمالي والتكنولوجي في المجتمع.
قال البابا فرانسيس في خطاب ألقاه في بوليفيا منذ سنوات: “إن هذا النظام الرأسمالي، أصبح الآن لا يطاق؛ وعمال المزارع يجدونه غير محتمل، وعمال المصانع، يجدونه غير محتمل، والمجتمعات تجده غير محتمل، والشعوب تجده غير محتمل. والأرض ذاتها- شقيقتنا الأم الأرض- تجده أيضا غير محتمل”.
لم ينتقد البابا فرانسيس النموذج الرأسمالي، ولكنه انتقد الرأسمالية الحديثة الجامحة، التى تدمر البيئة، وتجعل التفاوت بين الطبقات سمة العصر، وبالتالي تدمر البلدان النامية، التي تفتقر لمصادر الأموال.
خلال عام 2024، تداولت وسائل الإعلام المصرية، تصريحات لرجل أعمال مصري، يرى ضرورة زيادة ساعات العمل في مصر إلى 12 ساعة يوميًا مدة ستة أيام في الأسبوع، وذلك لزيادة كفاءة الإنتاج، مؤكدا أن العامل، لا يحق له الحياة الشخصية بجانب العمل، واصفا هذا المفهوم بأنه “غير عملي”.
ذلك النموذج، وفقا لماركس هو عينة من الرأسماليين ممن يستولون على فائض القيمة الناتج عن عمل العمال، ما يؤدي إلى تراكم رأس المال في أيدي قلة من الناس، رأى “ماركس”، أن هذه العملية غير عادلة، وغير مستدامة بطبيعتها، لأنها تعمل على إدامة عدم المساواة، وتقويض رفاهية الطبقة العاملة، يتميز نمط الإنتاج الرأسمالي باستخراج فائض القيمة من عمل العمال .
كذلك بعد تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بأنه يهدف إلى ترحيل كل المهاجرين غير الشرعيين والعمال الموثقين أو غير الموثقين من الولايات المتحدة خلال فترة ولايته، التي تستمر أربع سنوات، تم تأكيد نظرية ماركس، أنه على مر التاريخ، تم تحديد المجتمعات من خلال الصراع بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، وحدد البرجوازية، الطبقة الرأسمالية، التي تمتلك وسائل الإنتاج، وتسيطر عليها، والبروليتاريا، الطبقة العاملة، التي تبيع قوة عملها، باعتبارهما الطبقتين المتعارضتين الرئيسيتين في المجتمع الرأسمالي.
كان النموذج الرأسمالي، فكرة إنسانية قبل أن يكون مجرد نظرية أقتصادية، وكان يرتكز على الإيمان بالفرد وقدراته، وقد كان لهذه الفكرة الإنسانية صداها في الفكر الديني، فكانت حركة الإصلاح البروتستانتى، التى تضع الخلاص في يد الإنسان وكانت الحرية الاقتصادية والصراع بين الأفراد، بغض النظر عن تدخل الدول.
لا جدال بأن الرأسمالية نظام اقتصادي ذو فلسفة اجتماعية وسياسية، يقوم على أساس تنمية الملكية الفردية والمحافظة عليها. وتوسعا في مفهوم الحرية، ذاق العالم بسبب هذا النظام مصائب كثيرة ، ذاقت كوارثها مختلف شعوب الأرض بسبب السعي وراء المصالح الاقتصادية الفردية، التى لم تحقق مصالح المجتمع، كما كان مرجو لها، ووفقا لرأي “آدم سميث”،
ولا جدال أيضا بأن الرأسمالية، هي التي صنعت الأزمة المالية عام 2008، وماكان ذلك إلا نتيجة التحيز للأقوياء والأغنياء، بل أن النظام الرأسمالي، كان هدفه الخفي زيادة الأغنياء غنى، وزيادة الفقراء فقرا.
ولهذا نهبت الولايات المتحدة، ثروات الشعوب، بكل الطرق الشرعية، وغير الشرعية، ودستها في بنوكها ومؤسساتها المالية.
أغنياء أمريكا، ينهبون ثروات الفقراء في الدول النامية، خلف ستار المساعدات والمعونات الدولية، وتصدير الفكر الرأسمالي.
وهكذا يمكن القول، إن النظام الرأسمالي، قام على الظلم بين البشر، طبقا لطبقاتهم، وبذلك سادت حالة من الظلم العام دوليا،
لقد ظلمت أمريكا العالم بفرض هذا النظام، فالكل مظلوم، والكل فقير، وحزين، ويائس، يلهث وراء الأموال، وتكوين الثروات، مقيدا بالسلاسل المادية، لن تجد أحد يشعر بالسعادة في ظل هذا النظام، الذي انهار، ولكنه فرض التبعية على البشر بعد أن استغلت الشعوب وتكدست ثروات العالم قسرا في مؤسساتها المالية لاستخدامها في استعباد البشر، ذلك الذي يمثل أبشع وأقسى أنواع الرق على كل الشعوب.
وهذا مانجحت فيه العقلية الغربية، لقد عضت تلك السياسة المتوحشة قلب الإنسان، وتحكمت في وسائل عيشه من عمل ومسكن وطعام، فليست هناك حرية في ظل الرأسمالية الجامحة الحديثة، فالكل أصبح يعيش حياة العبودية لأصحاب العمل، وبدلا من أن يقاوم هذه العبودية، التي ترتدي قناع حياة البذخ الرأسمالية، نجده ارتضاها عن طيب خاطر، مثله كمثل”السجين الذي يرفض أن يخرج من سجنه، لأنه يجد مكانا للنوم ووجبة طعام”، فقد تمكنت الرأسمالية المادية من استعباد عقله وقلبه ووجدانه، بل وضميره وحياته كلها، جعلته يركض طوال حياته القصيرة بهدف كسب المزيد من الأموال لسداد أقساط وفوائد القروض.
أما ما يدخره بعد ذلك، فهو لشراء بعض الأسهم، أو يدعه في البنوك، خوفا من الغد، الذي سيحمل بالضرورة الكثير من المشاكل.
أما على المستوى العام، فإن الرأسمالية، توغلت عبر الشركات عابرة القارات، وبرامج المعونات، فرأت أنه لكي تزيد من أرباحها، وتكدس الثروات، قامت بتسميم الغذاء بالهرمونات والمبيدات، بل والتلاعب في الجينات والهندسة الوراثية، وهكذا نجد أن الغذاء الذي يتم انتاجه وتصديره للبلدان الفقيرة يحمل في داخله السموم والأمراض.
أما عن” المعونات الاقتصادية” لرفع رأسمالية الدول، فإن “الصندوق الدولى” و”البنك الدولي”، هو الراعي لها وهو أحد اعمدة النظام الرأسمالي، الذي يمارس استعباده للدول عن طريق تقديم المعونات لهم، وفقا لشروطه، والتي تكون في الغالب تعسفية وشاقة، وتتوهم تلك الدول، أن تلك المعونات ستقلل من حدة الفقر، والتى يعانى منها شعوبها، ولكن للأسف، وفقا للإحصائيات والأدلة التاريخية، فإن البنك والصندوق الدولى، يقرضان الدول، ويربطانها بديون هائلة، تعجز الدول عن سداد الفوائد، وأصل القرض،
وكما قال “سباستيان مالابي” المعونة أقل تماسكا وانسجاما عما يجب أن تكون عليه، والالتهاب المالي القادم، سيتم التعامل معه بواسطة رجال المطافئ:
فالبرغم من انهيار الرأسمالية اقتصاديا، لكنها دفعت بكل البشرية نحو تعاسة اللهث خلف تكوين الأموال والأنماط الاستهلاكية.
ولذلك الأنماط الرأسمالية في المجتمع، ستجعل العمال شهداء من أجل عملهم، الذي سوف يضطرون إلى مقايضته بأجور بائسة. ولكنهم رغم ذلك، سيكونون أكثر حظا من “الجيش الاحتياطي من العاطلين”، ما يجعلهم فريسة للرأسمالية في حالة عدم وجود مناخ سياسي، وتشريعات تطبق الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالعمل اللائق، والذي يعتبر من الحقوق الاجتماعية، كذلك البلدان النامية في سعيها لتحقيق التنمية الاقتصادية، وتوفير المصادر المالية لشعوبها، أصبحت تحت سيطرة الدول الأقوى، وتمت السيطرة على بعضها من خلال الاحتلال العسكري، و السيطرة على البعض الآخر من خلال الاحتلال الاقتصادي، والتأثير على السياسة الاقتصادية والنقدية.
لذلك ما يحدث على الساحة الدولية أو المحلية، يثبت عيوب النظام الرأسمالي، وخطورته، خاصة الرأسمالية الحديثة الجامحة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.