هاجر محمد موسى تكتب | مؤشرات العنف في اليوم العالمي للاعنف

0

مما لا شك فيه بأننا في عالمنا المعاصر أصبحنا نصدق “المهاتما غاندى” عندما قال: “قد لا نكون أقوياء بما فيه الكفاية لكى نتخلص تماما من العنف قولا وفعلا وفكرا، لكن لا بد أن نجعل من اللاعنف هدفا ننصبه أمام أعيننا ونسعى دوما لتحقيقه ونحرز تقدما  فيه”، حيث يوافق ذكرى ميلاد “غاندى” اليوم الثانى من شهر أكتوبر، ولأنه كان الأب الروحى للاعنف وكان صاحب المباديء والتعاليم ورائد فلسفة واستراتيجيات اللاعنف التى جعلت العالم مكانا أفضل، تم اعتبار تاريخ ميلاده يومًا دوليًا للاعنف، وذلك لنبذ لغة الكراهية والعنصرية والتنمر والتى تتجسد في كل صور الإرهاب، والإجرام والإضطرابات الأهلية التى يتعرض لها الأقليات ختاما بالصراع الدولي بين مختلف البلدان.

كانت السنة الماضية هي السنة السوداء عالميا والتى خلالها ارتفعت مؤشرات العنف لأعلى مستوى بسبب الإبادة التى تمت لشعب فلسطين والاعتداء الغاشم على لبنان. بالرغم من ذلك التعاطف الإنسانى الدولى لم يساهم فى نشر اللاعنف ومنع ذلك العنف  الغاشم على أطفال فلسطين أو لبنان، وكأنهم بلا قيمة إنسانية في عيون الأمم المتحدة التى لا تتأثر إلا بموت إسرائيلى أو أمريكى غير ذلك لا تبالى بموت فلسطينى أو لبنانى.

عدم التعاطف الدولي تجاه شعب فلسطين وشعب لبنان يحدث داخليا بين المختلفين، ولكن بصورة ضيقة تظهر فيها مؤشرات العنف على استحياء تكاد تتفجر إن لم يتم علاجها، وذلك خلال المجتمعات التى يحكمها رأى الجماعات والأغلبية وتنبذ أو تتعامل بعنصرية ورفض تجاه الأقليات بسبب عادات وتقاليد ومفاهيم دينية مغلوطة تنطلق من جيل إلى جيل، حتى تم صناعة جيل بأكمله يعانى من أفكاره التى تجعله غير مدرك كيف يتقبل الآخر المختلف عنه، ويتعامل بكل صور العنف مع الآخر عندما يكتشف اختلافه ليس على مستوى الدين والعرق فقط، بل على مستوى الجنس.

وظهر ذلك جليا في أولمبياد باريس حيث تم التعامل بطرق عنيفة تميل إلى التمييز والتنمر والعنصرية مع البطلات المصريات؛ وذلك بسبب العنف المجتمعى، حيث تحولت النساء لناجيات من هولوكوست التمييز فى كل المجالات رغم محاولات القوانين لإنصافهم، ولكن عنف أغلب المجتمع يحاربهم حربا معنوية، لا تتعرض لها النساء فقط ولكن مؤشرات العنف تظهر بين الطبقات الاجتماعية، حيث تميل بعض الطبقات للتعامل بعنصرية أو تمييز مع الطبقة المختلفة عنها، وتظهر مؤشرات العنف بقوة عندما يتم الإقصاء للأشخاص بسبب لون بشرتهم أو بسبب كونهم من ذوى الهمم وذلك فى بعض الأماكن أو الوظائف، وبالطبع تتركز مؤشرات العنف في الجانب الدينى حيث ترفض أغلب الجماعات الدينية من هو مختلف عن الجماعة دينيا أو أيديولوجيا حتى المختلف في التفكير يلقى نفس مصير مخالف الدين، وهذا إن لم يتم تصنيفه في مجلة الكفار التى يصدرها البعض، وكأنه يمتلك مفاتيح الجنة والنار.

بعد كل السرد للمؤشرات العنيفة كيف سيتم نشر ثقافة اللاعنف في مجتمع لا يريد الاقتناع برأى الآخر. كيف سيتم من الأساس إقناعه بالآخر، الإجابة على ذلك السؤال تكمن فى آليات الإقناع للعقول والتى تتحكم بالوعي الجمعي للأفراد فى المجتمع حاليا، وتستطيع تغيير مدى تقبل الأفراد لثقافة قبول الآخر ونبذ العنف، لأن مباديء اللاعنف تتركز في كل ممارسة شخصية لايؤذي الفرد فيها نفسه أو الآخرين  أو الحيوانات أو البيئة المحيطة به، حيث الالتزام بالمباديء والقيم الروحية والأخلاق تجاه كل شىء يكون هو الأساس للتعامل التراحمى في الحياة ونبذ الممارسات العنيفة التى تبتعد عن الرحمة التى خلق الله بها هذا الكون، ولذلك نص ميثاق الأمم المتحدة الذي يدعو إلى اللاعنف في الفصل السادس منه بأن يلتمس فى كل المعاملات في بادئ ذى بدء كلا من التفاوض والوساطة والتحكيم والتسوية القضائية وغيرها من الوسائل السلمية للتصدى للأخطار التى تهدد السلام.

من الواضح أن مواجهة أشكال العنف لا بد أن تبدأ بردع العنف المادة المباشر والذى يظهر في الجرائم والإرهاب مرورًا بالعنف والعنصرية والتحريض والتمييز الجندرى، وختامها بأصعب أنواع العنف والذي يؤدي لاحتقان وعدم تناغم في المجتمع وهو العنف العقائدى الأيديولوجى.

صدق “غاندى” عندما قال إن اللاعنف هو السبيل للنجاة من الشرور، لأنه أعظم قوة متاحة للبشرية  يمكن بها تغيير التاريخ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.