هاني رمزي الديب يكتب | المبرمج رمزي الديب

0

في زمن يتسارع فيه التطور التكنولوجي، لم يعد دور المبرمج مقتصرًا على كتابة الأكواد أو تطوير التطبيقات فقط، بل أصبح المطور – وخاصة من يملك رؤية مجتمعية أو انخراطًا في العمل العام – عنصرًا أساسيًا في صناعة السياسات وتوجيه قرارات الدولة نحو مستقبل أكثر كفاءة ورقمنة.

عندما يعمل المطور داخل مؤسسة حكومية، يكتشف أن التحديات لا تكمن فقط في الأنظمة القديمة أو ضعف البنية التحتية، بل في غياب الرؤية التقنية عند اتخاذ القرار. وهنا يصبح وجود المبرمج داخل مطبخ السياسات ضرورة لا رفاهية. بفضل خبرته، يستطيع أن يقدم تصورًا واقعيًا لمدى إمكانية تنفيذ الأفكار المقترحة، ويقيّم تكلفة التحول الرقمي، ويقدر الأثر المتوقع على المواطنين بدقة.

المبرمجون اليوم لم يعودوا مجرد منفذين للتعليمات؛ إنهم محللون للواقع، وصنّاع حلول، وبُناة لأنظمة تُحدث فرقًا حقيقيًا في حياة الناس. والانتقال من مجرد “تنفيذ الحلول” إلى “صناعة السياسات” يتطلب من المطور أن يتحلى بثلاث صفات أساسية: الوعي بالمشاكل الحقيقية التي يواجهها المواطنون، الإدراك العميق لقدرات الدولة وإمكاناتها، والقدرة على الترجمة بين العالم التقني والعالم الإداري.

في هذا السياق، تصبح نقطة التقاء الكود بالقانون لحظة محورية. فالسياسات العامة اليوم تحتاج إلى عقل رقمي، يفهم كيف تُبنى المنصات، وكيف تُؤمن البيانات، وكيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يخدم العدالة الاجتماعية، أو لحوكمة البيانات أن تحل مشكلات البيروقراطية. نحن بحاجة إلى مطورين يجلسون على طاولة اتخاذ القرار، يناقشون القوانين كما يناقشون بنية قواعد البيانات، ويضعون خارطة إصلاح كما يضعون خارطة API.

وعن تجربتي الشخصية، فقد أدركت من خلال عملي كمطور برمجيات داخل مؤسسة مصرفية، واختلاطي المستمر بالواقع الخدمي والسياسي، أن التكنولوجيا وحدها لا تكفي. لكنها قادرة على فتح نوافذ ضخمة نحو الإصلاح. لقد ساهمت – بشكل مباشر أو غير مباشر – في تطوير نظم تساعد على تسهيل الخدمات، وتقديم اقتراحات لرؤية رقمية في بعض المسارات الخدمية، وبناء جسور بين الجانب التقني والإنساني في صناعة القرار.

في الختام، أدعو زملائي المطورين ألا يكتفوا بالكود. الدعوة هنا ليست لتغيير المسار، بل لتوسيع الأفق. أنت كمطور تملك أدوات تحليل وفهم ومنهجية تفكير تؤهلك لتكون شريكًا في التغيير، وصانعًا لسياسات تخدم وطنك، وتحسّن حياة الناس. لا تتردد في خوض التجربة، فالسياسة لم تعد حكرًا على أصحاب الياقات البيضاء… بل أصبحت مفتوحة لأصحاب العقول المنظمة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.