إن التاريخ المصري عبر عصوره المختلفة يثبت دائمًا أن مصر كانت تسعى للسلام والاستقرار في محيطها الإقليمي والدولي ولم تكن دولة عدائية أو محتلة.
ولقد سطر التاريخ والاّثار أقدم معاهدة سلام عرفها التاريخ بين المصريين والحيثيين ، بعد ان أعلن الملك رمسيس الثانى فوزاً عظيماً فى معركة قادش
واستطاع ايقاف التوغلات الحثية فى الأراضي المصرية ، ثم جلس منتصراّ لعقد معاهدة سلام .
ولقد كانت هذه المعاهدة أول معاهدة سلام في التاريخ، وكان الملك رمسيس الثاني أول مَن حمل لقب بطل الحرب والسلام ، لأنها أكدت مبدأ الاحترام المتبادل بين الدول والتمسك بمبادئ القانون الدولي واحترام العهود.
رغم كل ما سبق لم تسلم مصر على مدار تاريخها القديم والحديث والمعاصر من التهديدات والاطماع ، وإنْ تغيّرت طبيعتها، فإن خطورتها لم تقل، و بعد ثورة 30 يونيو 2013 م انطلقت الشائعات والحرب النفسية لتدمير معنويات الشعب المصري ، والعمل على ضرب أعماق المواطن ، الذي هو المحرك للحياة داخل الوطن بكل مقوماته.
إن الحرب النفسية قد تكون قصيرة المدى او بعيدة المدى فتشمل : الدعاية الاستراتيجية – دعاية قتال – نشر الأخبار – خداع العدو بطريقة منظمة محكمة- دعاية سرية .
وتعتبر الحروب النفسية حروب غير نمطية مخططاتها ، وانطلاقها فـي عمق المجتمع، ويتمحور صراعها حول (التماسك الاجتماعي- التشكيك فى الثوابت و القيادة السياسية والقوة العسكرية . الثقافة – القيم – الاقتصاد – الروح المعنوية – الأخلاق – الأديان)، وذلك من خلال الهدف الأساسي وهو المواطن ، ولا يمكن معها اتخاذ مواقع عسكرية او جُدر وقائية، ما دامت الدولة بها ثغرات، والمواطن فـيها غير راضٍ عن معيشته ، ومن ثم تقوم بالتلاعب بعواطف الجمهور المستهدَف ومشاعره، والتأثير على معنوياته .
لقد أنشأت وكالات الاستخبارات الدولية والاقليمية الكثير من الإدارات التى تضم خبراء في صنع الشائعات لتنظيم للحرب النفسية وتحديد مواعيد ترويجها، واستخدامها لتدمير معنويات جيوش العدو، وتفكيك الشعوب، وإشعال الحروب الأهلية خاصة فى مصر التي تعتبر الجائزة الكبرى لتلك الحروب .
بدأت تضغط عصابات الحروب النفسية والشائعات ضد مصر على مدار اكثر من عشر سنوات ، بعد ان انشات منظومة استخباراتية محكمة ذات عمل جماعي تكون جنوده وافراده من دول مختلفة ( اقليمية ودولية وداخلية ) وذات جوار حدودي ، كان الهدف الاساسي من تكونها إشعال الفتن والمؤامرات والاخبار المكذوبة ؛ بالإضافة إلى افتعال أحداث و مواجهات مع قوى الأمن و فى محاولة منها لاستدراجها لارتكاب مخالفات، ثم وثقت ذلك من خلال وسائل إعلام متعاونة لهذا الغرض الخبيث وفرت شبكة الإنترنت مجالاً خصباً لنشر الشائعات التي تستهدف التأثير على المواطن المصري والتشهير بالدولة المصرية فى محيطها الاقليمى والدولي لتشكيل ضغوط دولية، سواء من دول أو منظمات المجتمع المدني للضغط على مصر لتنفيذ الخطط والمؤامرات .
وكانت وسائل التواصل الاجتماعي بمثابة الأسلحة النووية لتلك الحروب ومخططاتها ، بعد أن اصبحت فيه الهواتف المحمولة فى العقد الأخير اّله صغيرة ملازمة للمواطن تجمع بضغطه واحدة عليها كل الاعلام المقروء والمسموع والمرئي ، في ظل محدودية الجهد والاعباء المالية لصانع محتوي الحروب النفسية والشائعات ، قياسًا على العائد والهدف المرجو تحقيقه.
مثّلت ثورة 30 يونيو تصحيحا لمسار ثورة 25 يناير وأصبحت علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث والمعاصر ؛ لأنها تعتبر انتصاراً للإرادة الشعبية ، ورفضاً للتطرف والإرهاب واقتلاع فكرة العبث فى هوية الدولة العميقة .
كان الجيش المصري هو الحصن الحصين للدولة المصرية ، وتمكن من الحفاظ على حدود الدولة وحافظ ايضا على القانون والنظام، في الداخل ،وتصدى لعملية التفكك التي حدثت في دول عربية أُخرى.
تولى الجيش مهمات الشرطة – بعد تعرض معظم اقسام الشرطة داخل الجمهورية للحرق والتدمير – إلي أن نجحت فى تخطى الازمة و خضعت لعملية إعادة بناء وتطوير وتأهيل.
والجدير بالذكر أن القوات المسلحة المصرية قامت بدور تنموي واستراتيجي فى سيناء إيماناً منها بسلاح التنمية فى مواجهه الارهاب ، فنجحت فى تنفيذ مشروعات البنية التحتية التي ساهمت في ربط أرض الفيروز بمختلف أنحاء الجمهورية، لتحقيق تنمية متكاملة من خلال إطلاق مشروعات عملاقة في مجالات الزراعة، والصناعة، والسياحة، وإنشاء مجتمعات عمرانية جديدة تستوعب الزيادة السكانية وتوفر فرص عمل للشباب.
و كما شهدت مصر نهضة شاملة في جميع المجالات ، ليست في سيناء فقط ، وكان أهمها مشروعات قومية غيرت خريطة الأمن الغذائي . مما أدى الي ازدهار الصادرات الزراعية والصناعية . كما تم تطوير البنية التحتية وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، كما اتُخذت خطوات مهمة نحو توطين الصناعات وتحسين مناخ الاستثمار، وتنشيط السياحة وتطوير الموانئ البحرية وقناة السويس، وتحسين شبكات الطرق والنقل
إن حروب الوعي والشائعات تركز علي تغييب الوعي ومحاربة مصادره ، كمان انها تتنصل من لغة الأرقام والخطط والإنجاز إلى لغة العواطف وبطولات الوهم
مما لا شك فيه أن صناعة الوعي تبدأ بتمكين المواطن من أدوات التفكير والتفكّر والتى يشارك فيها المجتمع والدولة ، ويتحقق ذلك من خلال الاسرة ثم المدرسة والمسجد والكنيسة و إعلام مهنيّ صادق متحرر.
وأخيراً…
ان وعي المواطن المصري هو خط الدفاع الأول لمجابهة التدخلات الخارجية والحروب الهجينة وما يرافقها من شائعات تتربص بالأمن القومي المصري.