وائل لطفى يكتب | حاجتنا لثورة دينية

0

أستكمل ما بدأت فى مقالى السابق (حاجتنا لثورة ثقافية) وأقول، إن طريقة تفكيرنا فى الدين هى أهم ركائز هذه الثورة التى لا نهضة لنا بدونها. لقد شهدت مصر منذ ثورة 30 يونيو حالة من تنامى الوعى بالدين.. لكن هذه الحالة لم تكتمل بعد.. أنهت الثورة 40 عاما من الاستغلال السياسى والاقتصادى للدين، والسطو عليه من قبل جماعات موظفة سياسيا من دوائر خارجية، أعلنت الدولة أنها تحمى الدين وتقطع يد المتاجرين به.. أدركت خطورة شائعات الإخوان المسمومة عن عداء الدولة للدين فقدمت ما لا يقدمه أحد.. تم بناء 1500 مسجد خلال سبع سنوات من حكم الرئيس السيسى فقط، ولكن فى نفس الوقت تم تحرير المساجد المختطفة من أيدى الإخوان وحلفائهم، وتأسيس أكاديميات عصرية للدعاة.. وتحديث طرق التواصل الإلكترونية لدار الإفتاء.

سألتنى صديقة صحفية.. ألست منزعجا من وصول الأسئلة الموجهة لدار الإفتاء إلى مليون طلب فتوى سنويا؟، قلت لها إن هذه ظاهرة معقدة، ولها أسباب متراكمة.. لكن الجانب الإيجابى هو أن الناس يطلبون الفتوى من دار الإفتاء، وأنهم توقفوا عن طلبها من دعاة الصالونات، والدعاة المتجولين، والإرهابيين المتخفين فى صورة دعاة وأئمة مساجد.. كل هذه التغيرات فى السياسة الدينية للدولة رائعة وعظيمة.. لكننا نحتاج إلى ما هو أكثر من التغيير.. نحتاج إلى ثورة فى فهمنا للدين.. الذى هو طاقة تغيير عظيمة، بدون تغيير هذا الفهم للدين لن نتقدم للأمام.. وأظن أننا خلال أربعين عاما من تعميم فكرة الاتجار بالدين لم نتقدم للأمام فعلا لا فى شئون الدنيا ولا حتى فى شئون الدين نفسه.

أولى معالم هذه الثورة أن نمتلك الجرأة لمناقشة فهمنا لديننا مسلحين بالعلم والمعرفة والأسلوب اللائق للحديث فى قضية هامة مثل (علاقة المجتمع بالدين)… وثانى معالم هذه الثورة أنه ما دمنا نناقش علاقة (المجتمع بالدين )وليس قواعد الفقه والعقيدة، فالواجب أن يشارك المتخصصون فى مجالات الفكر والاجتماع والنقد الأدبى والتاريخ والفلسفة فى هذا النقاش جنبا إلى جنب مع علماء الدين.. وثالث معالم هذه الثورة أن ندرك أن الإصلاح ليس انتقاصا من الدين، ولا مساسا بثوابته، وأنه علينا قراءة تجارب الإصلاح الدينى فى التاريخ، ونأخذ منها جوهرها لا تفاصيلها، وأن نفهم النتائج التى حققتها على الأرض.. لقد خلص أحد المصلحين الدينيين مثلا إلى أن (العمل) هو أفضل وسيلة للتكفير عن خطيئة الإنسان الأولى حين عصى ربه وأكل من الشجرة المحرمة.. وحين وجد أتباعه من المستوطنين الأوائل فى أمريكا فرصة لتنفيذ تعاليمه.. كانت النتيجة هى أمريكا التى نعرفها حاليا.

إن هذه الفكرة موجودة فى ديننا حيث غاية الإنسان هى إعمار الأرض.. لكن هناك من أخفى هذا المعنى الواضح، وقال للناس إن غاية الدين هى غزو الآخرين.. أو إقامة الإمبراطورية الإسلامية، أو أستاذية العالم، وأن هذا يستدعى إقامة جماعة سرية، ثم الدخول فى حرب ضد الحكومات الوطنية، ثم إسقاطها، ثم محاربة الآخرين، ثم الانتصار عليهم.. إلخ.. وهى كما نرى مجموعة من الأوهام التى روجها البعض، ولم يتحقق منها شيء، ولن يتحقق منها شيء، ولم ينتج عنها سوى استهلاك الطاقة، وتخلف المسلمين، وتوجيه طاقة الأمة إلى مجموعة من الحروب الخارجية تمت كلها بضغط ومزايدة من الإخوان المسلمين، والنتيجة أننا فى مصر وفى العالم الإسلامى كله لم ننل ما نستحق من التقدم، وما زلنا نرزخ تحت وطأة التخلف بسبب التفسير الخاطئ للدين، والمتاجرة به، ونتيجة استسلام القاعدة العريضة، والحكومات أيضا لمزايدات الإخوان المسلمين.

لقد كانت مصر قبل ظهور الإخوان تنعم بقدر لا بأس به من الاستقرار، وتجنى ثمار ثورة 1919، وحدثت تغيرات فى العالم كله نتيجة الحرب العالمية الثانية، وكان يهود العالم جزءا من الحلف المنتصر.. وقررت الأمم المتحدة تأسيس دولتين على أرض فلسطين، إحداهما للعرب والأخرى لليهود.. وكان ذلك استمرارا لتحكم الدول الغربية فى خريطة المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى، حيث جلس مسئول إنجليزى مع مسئول فرنسى ورسما خريطة المنطقة من جديد، وأسسا دولا لم تكن موجودة، وألغيا كيانات كانت قائمة، وقبل الجميع ذلك، وما زالت أثاره قائمة، والمعنى أننا كان يمكن أن نقبل حل الدولتين وننصرف إلى تنمية شعوبنا ومجتمعاتنا، ووقتها كنا سنهزم من نريد هزيمته، ولكن الإخوان انطلقوا يطاردون اليهود المصريين، ويحرقون شركاتهم، ويفجرون أماكن سكنهم، وانطلقوا فى التدريب على الإرهاب بحجة المقاومة، وخزنوا السلاح، واشتروا القنابل، وطالبوا بفتح الحدود، وسخنوا الشارع، ولم تجد الدول العربية سوى أن تزايد على مزايدتهم فذهبت للحرب دون استعداد وهزمت.. وكل ذلك بتأثير هذه الجماعة الجاهلة التى لم تفهم جوهر الدين وغايته وهو إعمار الأرض.

وقادت الهزيمة إلى هزائم لأن بذرة مزايدة الإخوان كانت موجودة فى الشارع المصرى والعربى.. وفى بداية الثمانينات رأيت بعينى جمع الإخوان لملايين الجنيهات باسم دعم ما يسمى بـ (الجهاد الأفغانى) فى حين كان لدينا ملايين الفقراء والآلاف من القرى التي ظلت حتى هذا العام دون صرف صحى ومياه شرب نقية كما رأينا بكاميرات متطوعى حياة كريمة.. وكان كل هذا التخلف من أثار فهم خاطئ واختطاف للدين، يحوله من طاقة بناء إلى طاقة إرهاب وعنف وعدوان فشل فيه أصحابه.. والمعنى أنهم منعونا من التعمير ومع ذلك فشلوا فى الإرهاب.. حاسبهم الله على كل ما اقترفوه فى حق هذا الوطن .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.