مع نهاية عام 2021، وبداية عام 2022؛ قررت الإدارة المصرية أن تقضي الأسبوع الأخير من عام 2021 في صعيد مصر؛ في رسالة ذات مغزى ودلالات عدة؛ حيث تغيرت نظرة العالم للاقتصاد المصري بعد تبنّي البرنامج الشامل للإصلاح الاقتصادي؛ وحقق الاقتصاد المصري معدل نمو بنسبة 5.6 % في 2018/2019، وهو أعلى معدل نمو منذ الأزمةالمالية العالمية. لتصبح مصر ثاني أكبر معدل نمو اقتصادي في العالم بنسبة 3.6% في 2019/2020، لتستعيد مصر من جديد ثقة الاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصاد المصري ومرونته بالرغم من تداعيات أزمة كورونا.
زيارة السيد الرئيس وكامل الحكومة إلى صعيد مصر وجنوبه حملت رسائل ذات دلالات واضحة على النحو التالي:
الرسالة الأولى: أن المشروع الوطني للتنمية المستدامة في مصر هو مشروع شامل يغطي كافة ربوع وأقاليم ومحافظات مصر، خاصة تلك التي عانت لعقود من التهميش؛ حيث اتجهت دولة 30 يونيو بقوة إلى صعيد مصر بعد عقود من التراجع والتهميش وتركيز مخططات التنمية فى المركز فى العاصمة ودلتا النيل؛ ليشهد الصعيد ثورة من المبادرات المجتمعية والصناعية، حيث تم زيادة الاستثمارات الموجهة لمحافظات الصعيد خلال 5 سنوات بنسبة 450% لتحسين جودة حياة المواطنين فى صعيد مصر.
الرسالة الثانية: تأكيد الرئيس في أكثر من مناسبة على أهمية الشراكة مع القطاع الخاص في المشروعات القومية، والأثر المباشر لذلك على دفع معدلات التوظيف وخفض معدلات البطالة، وتأكيد الهوية الوطنية للمشروع المصري للتنمية الذي يتم بسواعد وعقول وخبرات مصرية سواء كانت حكومية أو عسكرية أو تنتمي للقطاع الخاص، وهو ما يقودنا للرسالة الثالثة.
الرسالة الثالثة: إذا كان دور القطاع الخاص مهماً في دفع عجلة الاقتصاد؛ فلا يجب أن نتجاهل الدور الوطني للقوات المسلحة المصرية في حمل عبأ الاقتصاد المصري ما بعد يونيو 2013، حيث تعتمد المؤسسة العسكرية في القيام بأدوارها التنموية على مسئوليتها الوطنية في الدول المتقدمة المستقرة وفقًا لقواعد دستورية وعرفية مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا واستراليا. كما تنطلق في الدول النامية من أساس إعادة بناء الدولة في فترات ما بعد الاستقرار والمصالحة الوطنية، وهو ما انطبق على الحالة المصرية لما للقوات المسلحة من رصيد قوي لدى المجتمع وفقًا لتكوينها على أساس وطني. لذلك كان تدخل القوات المسلحة ضرورياً لحماية الاقتصاد الوطني من الإنهيارـــ فعلتها الولايات المتحدة الأمريكية من قبل في سد هوفر حيث سعى الجيش الأمريكي لبناء السد رغم عدم الحاجة الكبير إليه آنذاك، كأحد المشاريع العملاقة التي ساهمت في دفع الاقتصاد الأمريكي خلال الفترة المسماة بالكساد الكبير ما بين عامي 1931 و1936. وافتتحه الرئيس فرانكلين روزفلت يوم 30 سبتمبر عام 1935 ـــ وإذا كانت عديد الدراسات تشير إلى أن الدور الاقتصادي والاجتماعي للمؤسسة العسكرية مرتبطًا بوجودها وتطورها، وبخاصة مع تراجع الحروب التقليدية والتغير النسبي في مفهوم الوظائف الدفاعية، فإن القوات المسلحة المصرية قادت عملية التنمية دون الإخلال بالمهمة الرئيسية للقوات المسلحة فى القيام بمهامها لتأمين الأمن القومى المصرى فى اتجاهاته الاستراتيجية المختلفة ومفهومه الشامل، مكنت الدولة المصرية أن تذهب بمشروعاتها التنموية العملاقة إلى قلب سيناء، وفى كافة المحافظات المصرية بما فيها المحافظات الحدودية، التى طالما عانت من التهميش وتراجع معدلات التنمية البشرية بها.
الرسالة الرابعة: تتعلق بالمستقبل والأمل خلال العام الجديد؛ وعلى الرغم من تراجع معدلات الفقر إلى 29.7 % في العام 2019/2020 مقارنة 32.5 % في عام 2017/2018 إذ تعدّ هذه هي المرة الأولى التي تنخفض فيها معدلات الفقر منذ 20 عامًا، لكنها لا تزال تحتاج إلى مزيد من البرامج الداعمة لاستمرار هذا الاتجاه النزولي في معدلات الفقر. وهو ما يعني الحاجة لمزيد من الجهد والعمل وتضافر الجهود ما بين القطاعين العام الخاص لمواجهة تحديات التنمية. إذ نستهدف في خطة العام المالي 2021/2022، نحو 1.25 تريليون جنيه قيمة الاستثمارات الكلية مع تقدير معدل نمو اقتصادي مستهدف بِنَحْو 5.4٪، وتقدير وصول النَّاتِج الـمحلي الْإِجْمَالِي فِي عَام الخِطّة إلى نَحْوِ 7.1 ترِيلِيُون جُنَيْه، كما تم رصد استثمارات حُكُوميّة لوزارة الصِحَّة والسُكان تَتَجاوَز 47.5 مليار جنيه واستثمارات عَامَّة تزيد عن 56 مليار جنيه للمنظومة التعليميّة ، و176 مليار جنيه استثمارات كلية لقطاع الإسكان وخدمات المياه والصرف الصحي، و43 مليار جنيه استثمارات كلية بقطاع الكهرباء لِتَنْفِيذ مَجْمُوعِة عَرِيضَة مِن الـمشروعات الـمُستهدفة ، 245 مليار جنيه استثمارات كلية مستهدفة في مجال النقل، وزيادة 44% في نسبة نصيب الفرد من الاستثمارات العامة، مع توجيه استثمارات إجمالية بنحو 74 مليار جنيه لقطاع الزراعة و68 مليار جنيه لتبطين الترع، حيث تستهدف الخطة توفير نحو 950 ألف فرصة عمل.
لذلك ونحن في بداية عام جديد؛ نشهد فيه الانتقال الفعلي للجمهورية الجديدة، ونخطو الطريق نحو دولة قوية، يبقى العمل الجاد وحده السبيل لتحقيق الآمال والطموحات، تلك هي الرسالة الأبرز التي انطلقت من اسبوع الصعيد للعام الجديد.
* وليد عتلم، باحث بكلية الدراسات الأفريقية العليا.