وليد عتلم يكتب | عن واقع التسويق السياسي في مصر
لا يمكن فهم السياسة بمعزل عن فهم تسويق الأفكار والاتصال الجماهيري، في السياسة أساسًا تقوم على التسويق الفكري في كل عناصرها وتفصيلاتها، والتركيز هنا على التسويق السياسي بمفهومه الأشمل وليس من الناحية الانتخابية. في هذا السياق؛ تشير “الموسوعة السياسية” إلى أن التسويق السياسي ظهر كفن للإقناع مع ظهور فلاسفة اليونان خاصة الفيلسوف أرسطو، كما أنه تم تطويره فى عصر النهضة مع ظهور الأفكار الخاصة بالفلسفة السياسية لنيكولا ميكافيلي – Niccole Machiavelli في القرن السادس عشر. ويرجع التطور التاريخي أدوات التسويق في أوائل القرن العشرين في بريطانيا. وبالرغم من ذلك إلا أن أول من استخدم وطور أدوات التسويق لاستخدامها فى التسويق السياسي كان في الولايات المتحدة الأمريكية ثم لحقت بها بريطانيا حيث الاستخدام الأبرز في الحملة الانتخابية لرئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر وحزب المحافظين عام 1984، والتي روجت لسياسات اقتصادية صعبة وقاسية في وقت كانت تعاني فيه المملكة المتحدة من أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة، غير أن تاتشر نجحت وعبر استراتيجيات التسويق السياسي في الاستمرار في الحكم لنحو 11 عاماً متتالية. ومن هنا قاد المحافظون استخدام التسويق لعرض أفكارهم عن طريق دراسة ” وضع السوق الانتخابي”، وتبعه حزب العمال أثناء قيادة نيل كينوكKinnock Neil ، حيث أصبح التسويق أحد عناصر التفكير التنظيمي لحزب العمال، يتوازى هذا التوصيف للتسويق السياسي كمصطلح على أنه مجموعة من الممارسات والأدوات التي تستخدمها النخب السياسية بواسطة الدراسات والتحليلات التي وضعت التأصيل النظري للتسويق السياسي.
تاريخ الاتصال السياسى تزامن مع ظهور وسائل الإعلام المرئية (التلفاز)، وكان الرئيس أيزنهاور – Eisenhower هو المرشح السياسي الأول في الولايات المتحدة الذي استفاد من تكنولوجيا الاتصال السياسي كوسيلة للإقناع.
وقد شهد التسويق السياسي تعريفات عدة، لكن ثمة ثلاث مدارس رئيسية عملت على تحديد أركان مفهوم التسويق السياسي وهي: مدرسة التسويق التجاري، مدرسة الإتصال السياسي، مدرسة الحملات الانتخابية. غير أن التعريف الذي سوف نستقر عليه هنا هو أن “التسويق السياسي مجموعة متكاملة من المظاهر لأقصى ما يمكن أن يصل إليه الخطاب السياسي و الاتصال السياسي في مجال التأثير على الرأي العام بهدف توجيه الأفراد و التحكم في سلوكياتهم وآرائهم تجاه العملية السياسية بصفة عامة”.
وهناك فارق كبير ما بين التسويق السياسي والدعاية السياسية الانتخابية؛ حيث مفهوم التسويق السياسي أعم وأشمل، وبالنسبة للتسويق السياسي فإن المستهلك وقبل كل شيء هو المواطن العادي.
ويجب الإقرار بأنه لا تزال هناك حلقة مفقودة ما بين المواطن المصري والمنتج السياسي المقدم له، فالصورة والمدرك العام لدى المواطن المصري داخلياً حول الإنجازات المتتالية للدولة المصرية منذ 2014، لا تزال غير كاملة ومشوشة في بعض الأحيان بفعل التأثيرات المضادة من الذباب الإلكتروني الذي يطن بالأكاذيب ليل نهار خارجياً وداخلياً لتشويه كافة الإنجازات التي تتحقق على أرض مصر، وتحريض الرأي العام المحلى والدولى ضد مصر. وليس أدل من ذلك التعليقات على أي خبر منشور يتناول أي إنجاز أو إفتتاح أو نشاط للدولة، لاحظ كم التعليقات السلبية في مقابل التعليقات الإيجابية. وذلك على الرغم من الجهود الكبيرة المبذولة في تغيير إدراك المواطن بالواقع الجديد.
لذلك؛ وفي ظل التطور الكبير على مستوى وسائل التأثير وثورة التواصل التكنولوجي ممثلة في الانتشار الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي “السوشيال ميديا”، تصبح الحاجة ملحة لتقديم منتج سياسي فاعل ومؤثر قائم على قياسات مؤشرات اتجاهات الرأي العام بالنسبة للسياسات العامة المطروحة ومدى قابليته لها. وذلك عبر برنامج عملي غير نظري وخطة واضحة المعالم تستهدف سياسات معينة في إطار فئات مستهدفة محددة بناء على معايير وقياسات الرأي العام، وبعيداً عن اللغة الارتجالية في الإعلام التي في كثير من الأحيان تضر أكثر مما تنفع وتفيد.
نحن في حاجة لسياسة تسويقية تُبرز الانجازات، توضح الأهداف والغايات، تحليل السياسات، تتناول الأعراض الجانبية والمنافع المستقبلية، هنا يصيح المواطن العادي شريكاً فاعلاً في سياق مخططات التنمية بل والمروج الأول لها.