ياسمين رجب رمضان تكتب | الصهيونية والسوشيال ميديا 

0

منذ بدايات القرن الماضي، كانت الصهيونية مشروعًا يسعى للسيطرة على الأرض تحت شعارات دينية وسياسية، لكن في القرن الحادي والعشرين تغيّر شكل المعركة جذريًا، لم تعد الحرب تُخاض بالدبابات أو الصواريخ فقط، بل
بالمنشورات والتغريدات ومقاطع الفيديو القصيرة، أصبحت السوشيال ميديا الجبهة الجديدة للاحتلال، حيث تُخاض المعركة على العقول قبل أن تُخاض على الحدود.

الصهيونية، في جوهرها، لم تكن يومًا مجرد فكرة دينية، بل مشروعًا سياسيًا استعماريًا وُلد في أوروبا أواخر القرن التاسع عشر، هدفه إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. ومنذ نشأتها، أدركت الحركة الصهيونية أن القوة الحقيقية لا تكمن فقط في السلاح، بل في القدرة على رواية القصة والتحكم في الصورة الذهنية للعالم.

مع ظهور المنصات الاجتماعية، وجدت الصهيونية بيئة مثالية لبناء روايتها الحديثة. فالمنشورات لا تحتاج إلى جيش، والهاشتاج لا يكلّف سوى بضع كلمات، لكن تأثيره قد يتجاوز حدود الدول. استغلت المؤسسات الإسرائيلية والشركات الداعمة لها الخوارزميات لتحديد ما يُعرض وما يُخفى، بحيث تُظهر المحتوى المؤيد لإسرائيل وتُقيّد أو تُخفي المحتوى الفلسطيني.

في هذه المعركة الرقمية، تتحول الصورة إلى سلاح. تُستخدم لقطات مفبركة، وصور من حروب أخرى تُنسب لفلسطين أو لإسرائيل حسب الحاجة. يُستغل المشاهير والمؤثرون في الغرب لتلميع صورة الاحتلال أو نشر روايات أحادية الجانب. الهدف بسيط وخطير في الوقت نفسه: زرع الشك في عقول الناس، وتشويش الحقيقة.

ورغم كل محاولات الحجب والتقييد، برزت موجة من المقاومة الرقمية كسرت احتكار السردية الصهيونية. فيديوهات قصيرة من غزة، بثّ مباشر من الهواتف المحمولة، وصور حقيقية من الميدان استطاعت أن تغيّر وجه الرأي العام العالمي. تحولت هاشتاجات مثل #FreePalestine و#GazaUnderAttack إلى صرخة عالمية للوعي.

الصهيونية الآن تستثمر بكثافة في الذكاء الاصطناعي والمراقبة، ليس فقط لتطوير جيشها، بل للتحكم في المحتوى والرأي العام. خطر الفيديوهات المزيفة الواقعية أصبح يهدد الحقيقة نفسها، لكن في المقابل يمكن استخدام التقنية ذاتها لتوثيق الجرائم وفضح الأكاذيب.

في زمن الصورة والهاشتاج، لم تعد الحرب بين جيوش، بل بين روايتين: رواية مزيفة تصنعها الخوارزميات، ورواية حقيقية يرويها من يعيش المأساة. الصهيونية تراهن على صمتنا، أما الوعي الإنساني فيراهن على الحقيقة.

كن صوتًا لا صدى… لأن الحقيقة أقوى من كل خوارزمية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.