يوسف عادل يكتب | هل ينقلب العالم على الدولار؟

0

في السنوات القليلة الماضية ظهرت من حين لآخر تنبؤات وأخبار وأماني عن عالم متعدد اقتصاديًا يسوده نظام نقدي لا يكون فيه الدولار هو الخصم والحكم، كما هو الحال منذ اسقاط قاعدة الذهب عام 1971 أو كما معروف بـ “صدمة نيكسون” الذي قضي بها على نظام “بريتون وودز” وفكرة ثبات سعر الصرف عن طريق فك الارتباط بين الدولار والذهب، ومن حينها أصبح الدولار ذاته هو لاعملة العالمية التي تتم من خلالها كل المعاملات التجارية والمالية بين الدول وخاصة بيع وشراء مصادر الطاقة فيما عرف بنظام البترودولار، كما أنها كذلك عملة الاحتياطي العالمي، هذا النظام جعل الولايات المتحدة الأمريكية مركزًا للاقتصاد العالمي، وأعطي لها مرونة قوية في فرض عقوبات مالية واقتصادية على منافسيها الاستراتيجيين، وأصبح قرار الفيدرالي الأمريكي قادرًا على جعل رب أسرة في بنجلاديش على حافة الإفلاس، كما أنه جعل الولايات المتحدة الامريكية دولة لا يمكن لها أن تُفلس لأن كل ديونها مستحقة بعملتها المحلية، عكس حال الدول الأخرى خاصة النامية المديونة بأكثر من 11.4 تريليون دولار حتى 2022.
تأتي الرياح بما لا تشتهي الورقة الخضراء، فعدة متغيرات على الصعيد السياسي والاقتصادي الدولي تعطي مؤشرًا بأن استمرار قوة وهيمنة الدولار الحالية أصبحت محل شك؛ فالصعود السياسي والاقتصادي السريع للصين الذي وصل إلى حد أن تكون الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم بناتج إجمالي 17.7 تريليون دولار، وأكبر مصدر وأكبر دولة تملك احتياطي دولاري يبلغ 3.18 تريليون دولار مع طموح متصاعد بالسيطرة على القرار الدولي.
تأتي روسيا إلى جانب الصين وطموحها ورغبتها الملحة من أجل البقاء في كسر شوكة الهيمنة الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة خاصة بعد موجة العقوبات المفروضة عليها منذ غزو شبه جزيرة القرم في 2014 وتصاعد حدتها بعد غزو أوكرانيا في فبراير 2022.
وجدت كل من الصين وروسيا ضالتهما في شراكة استراتيجية تجمعهم ودول العالم التي تريد الإفلات من المطرقة الخضراء فكانت مجموعة “البريكس” تتاجر فيما بينها البعض بأزواج عملاتهم المحلية ومن المتوقع إصدار عملة مشتركة بينهما وسط ترقب عالمي ورغبة من بعض الدول في مزيد من التعاون بل والانضمام الى المجموعة كانت من ضمنهم مصر لرغبتها المتزايدة في كسر هيمنة الدولار.
الرغبة المتزايدة في التخلص من الدولار كعملة للتجارة الدولية لا تقتصر على المنافسين التقليديين للولايات المتحدة فحسب، فعدة دول محسوبة كحلفاء أو شركاء للولايات المتحدة اتخذوا خطوات مشابهة، فإلى جانب التجارة بين الصين وروسيا التي يتم تنفيذ ثلثيها باليوان والروبل، فقد اتفقت الصين مع العراق على إجراء التجارة بينهما باستخدام اليوان الصيني واتفاق اخر مشابه مع فرنسا بخصوص تجارة الطاقة.
الخطر الأكبر في الشرق الأوسط حيث إنه من المتوقع أن يتم انضمام كل من مصر والسعودية وإيران (وهما اثنان من أكبر منتجي الطاقة في العالم) إلى البريكس في هذا العام، خاصة مع إعلان مصر والمملكة عن استعدادهما للتجارة بعملات أخرى إلى جانب الدولار (خاصة بأزواج العملات الوطنية بين مصر وروسيا) وهذا تطور ضخم يبعث بمزيد من الشكوك حول استمرار البترودولار.
مع كل هذه المتغيرات، من غير المتوقع، وإن كان مقدرًا للدولار النزول عن عرشه، فلن يحدث ذلك سريعًا، فمازال الدولار يشكل 50% من التجارة العالمية و60% من احتياطات العملات العالمية، بينما أقرب منافس اقتصادي للنظام الحالي، وهو الصين، تشكل عملته أقل من 2.7% من التجارة والاحتياطات الدولية مما يعني أن الطريق مازال طويلًا أمام الملك الجديد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.