أحمد شعبان مجرية يكتب | المحليات وبرلمان الغد
تُعد المشاركة السياسية للشباب إحدى الركائز الأساسية التي تقوم عليها فكرة تجديد النخبة
السياسية في أي نظام ديمقراطي حديث. وقد شهدت الدولة المصرية في السنوات الأخيرة
جهودًا متعددة لتمكين الشباب، قادتها وزارة الشباب والرياضة من خلال برامج تثقيفية
وتدريبية، مثل برلمان الشباب، ونماذج المحاكاة البرلمانية، والزيارات الميدانية لمؤسسات
الدولة التشريعية والتنفيذية، ودورات إعداد القادة.
ورغم أهمية هذه المبادرات في تعزيز الوعي السياسي وتدريب الشباب على مفاهيم العمل
العام، إلا أن غياب المجالس المحلية المنتخبة منذ عام 2011 مثّل ثغرة خطيرة في بنية
الحياة السياسية المصرية، وقطع الطريق أمام أهم قناة لتأهيل وتدرج الكوادر الشابة داخل
المجال العام.
فالمجالس المحلية، بطبيعتها ووظيفتها، هي المفرخة السياسية الأولى والحقيقية التي يتشكل
فيها وعي الشباب بقضايا الناس، ويتدرّبون فيها على ممارسة الرقابة، وتقديم الحلول،
والتعامل مع الجهاز التنفيذي المحلي. وهي مساحة مفتوحة للاحتكاك المباشر مع هموم
المواطن اليومية، من خدمات، ومرافق، وموازنات، وهي – بامتياز – مدرسة للسياسة من
القاعدة إلى القمة.
الشاب الذي يخوض تجربة الانتخابات المحلية، ويمثل دائرته، ويشارك في جلسات نقاش
حول مشكلات التعليم والصحة والنظافة، يُكتسب بالتجربة الواقعية أدوات القيادة الحقيقية.
وهنا تظهر القيمة الجوهرية للمحليات: أنها ليست فقط منصات خدمية، بل منصات إعداد
وتكوين سياسي حقيقي.
وبالمقارنة، فإن البرامج التدريبية – رغم ما تمنحه من وعي نظري ومهارات خطابية – تظل
محدودة الأثر إذا لم تتصل بسياق واقعي ومنظومة ممارسة سياسية حقيقية. فبرلمان الشباب،
على أهميته، لا يحمل شرعية تمثيلية، ولا يخضع لنفس آليات الرقابة والمساءلة.
ومن هنا، فإن الحديث عن تمكين الشباب لا يكتمل دون إعادة الاعتبار لانتخابات المحليات
بوصفها البوابة الطبيعية لصناعة القيادات السياسية، لا سيما في ظل الاستعدادات الجارية
لانتخابات برلمان 2025، والتي تتطلب قاعدة مؤهلة من الشباب الذي خاض غمار العمل
المحلي، وامتلك من الخبرة ما يؤهله للارتقاء إلى التمثيل التشريعي على المستوى الوطني.
إننا بحاجة إلى استعادة المجالس المحلية المنتخبة، لا فقط كاستحقاق دستوري، بل كمصنع
حقيقي للقيادات، وكممر شرعي لصعود الشباب في المجال العام، حتى لا نبقى نُدرّبهم في
القاعات، بينما تظل ساحات السياسة بلا تجديد حقيقي.
إن تفعيل انتخابات المجالس المحلية لم يعد فقط ضرورة دستورية، بل أصبح استحقاقًا
وطنيًا لإعادة بناء جسور الثقة بين المواطن والدولة، وضمان تجديد الدماء في الحياة
السياسية عبر شباب خاضوا التجربة الواقعية، واكتسبوا الشرعية والخبرة من الميدان