د.مصطفي أبوزيد يكتب | مخاطر الدين العام
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الدين العام ومخاطره، وهل الاقتصاد المصري بعيدًا عن تلك المخاطر؟ وفي الأساس ما هي معايير المخاطر التي يتم الاستناد إليها في تقييم قوة الاقتصاد على الوفاء بالتزاماته وتعهداته الدولية من عدمه؟ ولذلك يجب علينا أولا توضيح ما هو الدين العام وكيف ينشأ وما هي أنواعه وكيف تدير الدولة المصرية هذا الملف الحساس.
الدين العام يمكن تعريف الدين العام على أنه المقدار المالي الذي تكون الدولة مدينةً به لغيرها من أطراف خارج البلاد سواء كانوا أفراداً أو شركات أو حتى لحكومات أخري. والدين العام هو المرآة التي تبرز مقدار العجز في الميزانية السنوية للدولة ومقدار ما أنفقته الدولة خلال العام والذي يفوق مقدراتها وعائداتها من الضرائب.
ينشأ الدين العام بسبب وجود عجز في الموازنة العامة بحيث تكون النفقات العامة أكبر من الإيرادات العامة ولذلك يعرف عجز الموازنة العامة علي انه الحالة او الوضع الذي تتجاوز فيه النفقات العامة الإيرادات العامة حيث يعد احد المشكلات الاقتصادية التي تواجه الدول المتقدمة والنامية علي حد سواء ولا يمكن ارجاع ظاهرة العجز الي سبب وحيد لأنه تعود أسبابها إلي مجموعة من العوامل التي تسهم في حدوثها فتزايد الاعتماد علي السياسة المالية لمعالجة مشكلات الدورة الاقتصادية في الدول ونمو الانفاق العام بمعدلات تفوق نمو الإيرادات العامة يؤدي الي هذه الظاهرة وهناك العديد من طرق التمويل التي يتم اختيارها طبقا لحجم العجز المالي والظروف الاقتصادية ومستويات التضخم وأسعار الفائدة والمعروض من النقد.
هناك أسباب عديدة لظهور مشكلة عجز الموازنة من خلال زيادة نسبة النفقات الموجهة للخدمات الاجتماعية وزيادة الدعم السلعي والانتاجي وزيادة الانفاق العام على الاستهلاك وانخفاض معدل نمو الإيرادات العامة وذلك يتعلق بقصور في تنمية موارد الدولة وزيادة حالة التهرب الضريبي والتجنب الضريبي الناتج ضعف الإدارة الضريبية وانخفاض حصيلة الضرائب نتيجة لانخفاض مستويات الدخل وانخفاض النمو الاقتصادي ولكثرة الإعفاءات والمزايا الضريبية
لعلاج تلك الظاهرة تلجأ الدول إلى مصادر عديدة لتمويل العجز في الموازنة العامة عن طريق الاقتراض أو مصادر تمويل تقليدية ومصادر تمويل غير تقليدية.
الاقتصاد المصري شأنه شأن أي اقتصاد بالعالم لديه عجز بالموازنة العامة للدولة وأيضًا كأي اقتصاد بالعالم لديه ديون ولكي نحكم علي اي اقتصاد انه اقتصاد قوي وقادر علي الاستمرار بالوفاء في سداد تلك الديون وهنا يجب ان نوضح بعض المعايير التي يتم تقييم مخاطر الدين علي الاقتصاد فاتفاقية ماستريخت اقرت ان الدين العام لا يجب أن يتعدى 60 % من الناتج المحلي الاجمالي والدين الخارجي لا يتعدى 40% وهنا تأتي للوضع بالنسبة للاقتصاد المصري قبل برنامج الإصلاح الاقتصادي وبعد تطبيقه فسنجد ان نسبة الدين العام للناتج المحلي قد وصلت الي 108% في العام المالي 2016/2017 وتراجع الي 87.5% من الناتج المحلي الاجمالي في العام المالي 2019/2020 وارتفع بفعل تداعيات جائحة كورونا الي 91% في العام المالي 2020/2021 ولكن نجحت الدولة المصرية في تراجع معدل الدين العام للناتج المحلي الاجمالي بنسبة 20% وأيضا نجحت من خلال وجود استراتيجية لإدارة الدين العام ورفع كفاءته وذلك ظهر جليا في إطالة عمر الدين من 1.3 سنة في عام 2017 إلي 3.4 سنة في عام 2021 والمستهدف الوصول الي 3.8 سنة في العام المالي الحالي 2021/2022 بمعني ابسط تحويل الديون المستحقة قصيرة الاجل الي ديون طويلة الاجل وهنا يجب التطرق الي الديون الخارجية المستحقة علي الدولة المصرية وقد بلغت 137 مليار دولار وهي تمثل 35% من الناتج المحلي الاجمالي وطبقا للمعايير الدولية سالفة الذكر يعتبر الدين الخارجي المصري في الحدود الأمنة ويمثل الدين الخارجي قصير الاجل نسبة 10% من اجمالي الدين الخارجي
هذا يعني أن الاقتصاد المصري في وضع جيد فيما يتعلق بملف الدين العام لان الحكومة المصرية تستخدم هذا التمويل من القروض في تنفيذ مشروعات إنتاجية ذات عائد اقتصادي يحقق قيمة مضافة للناتج المحلي الاجمالي ويخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة وليس في توجيه نحو الاستهلاك وتمويل فقط عجز الموازنة.
كلما كان حجم الاقتصاد المصري ينمو ويتوسع كلما هذا يؤثر على تراجع نسبة الدين العام للناتج المحلي الاجمالي وزيادة حجم الاحتياطي من النقد الأجنبي لدي البنك المركزي ولذلك نجد ان كافة المؤسسات الدولية ومؤسسات التصنيف الائتمانية تشيد بالمؤشرات الكلية للاقتصاد المصري خلال السنوات الماضية وحتى التوقعات المستقبلية تتجه نحو المزيد من النمو وزيادة حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة وقوة المركز المالي للدولة المصرية
* د. مصطفي أبوزيد، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين