ياسر حمدي يكتب | مصر بقت على كل لسان
سافرت الأقصر عدة مرات كان آخرها منذ أربع سنوات، وفي كل مرة تزورها تجد نفسك وكأنك تراها لأول مرة، قمت بزيارة معبدي الأقصر والكرنك مرورًا بطريق الكباش، وحينها كانت وزارة الآثار تقوم بعملية ترميم كبيرة بمعبد الكرنك، وعلى الرغم من الوضع الأمني وقتها حيث كانت مصر تحارب الإرهاب فإن المعبدين كانا مكتظين بالسياح من كل مكان.
طريق الكباش وقتها كان مغلقًا نظرًا للعمل به، ورغم وجود سائحين بأعداد كبيرة إلا أن أهل الأقصر كان يخيم عليهم نوع من عدم الرضا، وأخبرني أحدهم بحزنهم الشديد لما تمر به مصر من أحداث وقتها، وقال لي إن بلدنا تأثرت كثيرًا بالسلب بالأحداث الراهنة، وأخبرني أن هذا العدد لا يساوي شيء مقارنة بأعدادهم قبل أحداث يناير وما تلاها.
وقتها سألت أحد العاملين بالترميم بمعبد الكرنك ماذا تفعلون هنا؟ وما هو السبب وراء وضع “كوردون” كبير على جنبات طريق الكباش؟ قال لي هناك اهتمام كبير بالطريق وإنه يُجهز لحدث سوف يبهر العالم كله، فالدولة لديها اهتمام شديد بإنهاء أكبر كشف أثري خالص بأيادي مصرية، ظننت وقتها أن الرجل يبالغ في كلامه.
حتى جاء غروب شمس الخميس الماضي، واتجهت أنظار العالم أجمع إلى مدينة الأقصر، متابعين حفل افتتاح طريق الكباش وإعلان الأقصر أكبر متحف مفتوح يبهر عشاق التاريخ ومحبي الحضارات القديمة، وقتها تذكرت كلام المرمم الذي تحقق بالفعل.
بدأت الاحتفالية بخروج ثلاث محفات ترمز للثالوث المقدس يحملها شباب بملابس فرعونية، ويتقدمهم حاملو البيارق ليخرجوا من قدس الأقداس عبر الصرح الأول للمعبد وصولًا لتماثيل أبو الهول إذ بداية طريق الكباش الرابط بين معبدي الكرنك والأقصر مصحوبة بأنغام موسيقي أوركسترا نادر عباسي، وأغاني محمد حماقي الراقية، مع الرقصات والاستعراضات والترانيم.
في الوقت نفسه توجد ثلاثة مراكب مقدسة مصممة بالطراز الفرعوني تسير في قلب نهر النيل وسط أضواء مبهرة، لترمز إلى ثالوث طيبة المقدس، «آمون» و«موت» و«خونسو»، وهي رموز الاحتفال بعيد الحصاد «الأوبت» لدي المصريين القدماء، هذا العيد الذي يحتفل به أهل طيبة حتى اليوم، من خلال مولد أبو الحجاج.
عُزفت الترانيم الفرعونية، وقدم نادر عباسي ثلاث ترانيم فرعونية قديمة بصوت شهد عز، وعز الأسطول، وهايدي موسي، في حفل عظيم قام به الأحفاد بالشكل الذي يليق بمجد الأجداد. في هذه الليلة قدمت مصر للعالم أفضل صورة ممكنة عن نفسها، صوة تتحدث عن النظام والنظافة والدقة والحضارة والرقي والإبهار وقبل ذلك وبعده عن الحضارة الإنسانية، وللموضوعية فإن خالد العناني وكل مساعديه في الوزارة والقائمين على الحفل بذلوا جهداً متميزًا يستحقون عليه التحية والتقدير، فالاحتفالية أعادت مدينة الأقصر لعصرها الذهبي.
نجحنا في إبهار العالم، خصوصًا أولئك المفتونين بالآثار الفرعونية، وهو تراث إنساني وحضاري عظيم ليس له مثيل تقريبًا، وأصبحت مصر بهذا الحفل الأسطوري على كل لسان في العالم، من روعة وجمال الحضارة المصرية وآثارها العريقة التي أبهرت العالم بجمالها وأسرارها التي مازالت محل دراسة وبحث حتى الآن، متحدثين عن النجاح العظيم للاحتفالية التي خطفت أنظار العالم تجاه أكبر متحف مفتوح في العالم.
قوبلت خطط الحكومة المصرية لحفل افتتاح الطريق بانتقادات من البعض، بسبب التكلفة الكبيرة لإقامته، لكن للموضوعية ستعوّض هذه التكلفة من خلال الدعاية التي وفرها هذا الحدث لمدينة الأقصر لأنها لا تقدر بالملايين، لكن يبقي سؤال مهم: إذا كنا قادرون على تقديم مثل هذا الأداء والنجاح المتميز، فلماذا لا يصبح ذلك هو النموذج، في كل المجالات؟