د. أحمد سلطان يكتب | أبو الخير وحب الأوطان

0

هناك العديد من المصطلحات عن حب الأوطان منذ بدء ظهور مفهوم كلمة وطن في التاريخ، والكثيرين عرفوا معنى الوطنية بمفهومها الحقيقي ولكنهم خافوا من حساسية التعبير عن مترادفها وكثيرون تشدقوا بحب الوطن ولكنهم ليسوا بذلك، فلا نتخدع بنظرات ودموع الحنين الزائفة في وجه من يتظاهر بالوطنية هكذا أخبرنا مارك توين، فالوطن ليس جغرافية وتاريخ ومجموعة من الأرقام ولكنه قيمة الحب والكرامة والفداء، فالوطن هو إيمان المخلص وتضحية العاشق وثبات على المبدأ والعهد في ضجة البائعين وتشبث بالحرية في سوق النخاسين، فمصر هي أرض الكنانة ومهد الحضارات وأم الأمم، فحافظوا عليها وارفعوا لواء عزها ولا تدعوا مخربًا ولا مضللا تمتد يده إليها.
في التاريخ العديد من القصص في حب الأوطان ومن أشهرهم قصة الامبراطور والحمار الأبيض، إمبراطور ألمانيا غليوم الثاني وحمار دمشق الأبيض والتي خلدها التاريخ بالصور، ففي عام ١۸۹۸ زار الامبراطور غليوم الثاني إمبراطور ألمانيا في ذلك الوقت دمشق واستقبله الناس استقبالًا عظيمًا وعند مدخل القلعة لاحظت زوجة الامبراطور حمارًا أبيض جميلًا فأثار انتباهها فطلبت من مصطفى عاصم باشا والى الشام في ذلك الوقت أن يأتيها به لكي تأخذه إلى برلين تخليدًا وذكرى لزياراتها التاريخية لبلاد الشام، وذهب مصطفى عاصم باشا إلى أبا الخير تللو صاحب الحمار الشهير، وطلب منه إهداء الحمار إلى زوجة غليوم ولكنه اعتذر فغضب الوالي وعرض عليه شراء الحمار بالثمن الذى يحدده ولكن أبا الخير رفض وبشدة وقال يا أفندينا لدى ستة من رؤوس الخيل الجياد إن شئت قدمتها كلها إلى الامبراطور وزجته هدية ولكن هذا الحمار فلا، فاستغرب مصطفى باشا من هذا الجواب قائلًا في تعجب ولماذا، قال أبا الخير تللو جملته الشهيرة ” سيدى الوالي إذا اخذوا الحمار إلى بلادهم ستكتب جرائد برلين عنه ويتسأل العامة من الناس من أين هذا الحمار؟ فتكون الإجابة من بلاد الشام، ويصبح الحمار الشامي حديث العالم وربما معرضًا للسخرية ويتسأل الناس هل يعقل إن إمبراطورة ألمانيا لم تجد في بلاد الشام ما يعجب عيناها غير الحمار!، لذلك لن أقدمه ولن أبيعه لها، فذهب والى الشام إلى غليوم الثاني إمبراطور ألمانيا لينقل له ما دار فأبتسم ضاحكًا وأصدر مرسومًا بمنح صاحب الحمار “أبو الخير تللو” وسامًا رمزيًا، إن هذا الحب الأبدي للأوطان هو سبب عمارتها وسلامتها من الخراب، روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال لولا حب الوطن لخرب بلد السوء وكان يقال بحب الأوطان عمرت البلدان.
رحم الله من قبلنا فكانوا يخافون على بلادهم وسمعة أوطانهم أما الآن فلا تخلو مصر من حمير تبيعها وتسئ إليها وتحرض عليها بسبب سوء الفهم والكراهية والارتزاق ولا يبالون بعواقب الأمور تجاه أنفسهم وبلدهم ومقابل حفنة من الأموال.
ختامًا، مصر هي أرض الكنانة ومهد الحضارات أم الأمم فحافظوا عليها وارفعوا لواء عزها ولا تدعوا مخربًا ولا مضللًا أن تمتد يده إلى وطنه بتخريب وأذى وحفظ الله مصر بشعبها وقائدها وجيشها ورجالها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.