د. محمد علاء يكتب | مطلوب شهادة ورقية لدورة التحول الرقمي!

0

في إطار إجراءات الترقي لأعضاء الهيئات الأكاديمية بالجامعات المصرية، من درجة معيد إلي مدرس مساعد ووصولاً إلى درجة أستاذ، تطلب الجامعة من كل مُتقدم الحصول على دورات تدريبية في مركز تنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس. وتشمل هذه الدورات موضوعات من قبيل التعليم الالكتروني والتحول الرقمي والتفكير الإبداعي ومهارات الاتصال والعرض، إلخ.
كما يعلم الكثيرون، خاصة من الأكاديميين، فإن بعض هذه الدورات مفيدة في العمل الجامعي، وبعضها لا يعدو أن يكون من قبيل المعلومات العامة التي لا تضيف كثيرًا لعضو هيئة التدريس.
ومما أفادت به جائحة كورونا أنها لفتت الانتباه إلى إمكانية الحصول على هذه الدورات الكترونيًا online ولمدة 3 ساعات يومياً ليومين فقط.
مثل هذه الدورات موجودة في غالبية الجامعات حول العالم، حيث يطلب عدد من الجامعات حضور ورش عمل لمدة يوم أو يومين يتم تنظيمها على مستوي الجامعة للتوجيه بخصوص أمور مهمة للراغبين في التدريس، وغالبًا ما تكون جميع هذه الدورات رقمية online بحيث يدخل عضو هيئة التدريس على موقع الجامعة في الوقت المناسب له أو لها للاستماع إلى ومشاهدة الدورة، والاجابة على بعض الأسئلة في نهاية الدورة لتأكيد الاستفادة.
في حالتي، بلغ عدد الدورات التدريبية المطلوبة 16 دورة، وهي الدورات التي من المفترض أن أكون قد حصلت عليها في الترقيتين السابقتين، مضافاً إليها دورات الترقية الحالية.
من سخرية الأحداث أن الموظف المختص بالكلية طلب مني شهادات ورقية لكل هذه الدورات التدريبية منذ أول ترقية من درجة معيد وحتى الآن. ولم أفهم السبب في هذا الطلب رغم أن كل الدورات مسجلة على “السيستم”، وموجودة في صفحتي على الموقع الالكتروني لمركز تنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس، فما الحكمة في طلب شهادات ورقية (ورق من النوع الفاخر)؟ مع ما يقتديه هذا الطلب من هدر مادي وإضاعة للوقت وتلويث للبيئة ناتج عن طباعة مئات الشهادات لأعضاء هيئات التدريس المتقدمين للترقي.
لماذا لا يُسمح لي بتقديم شهادة واحدة تفيد حضوري 16 دورة؟ لماذا 16 شهادة لـ 16 دورة تدريبية؟
وقلت محتجًا إن المركز الذي يقدم دورات في التحول الرقمي لا يُعقل أن يقوم بطباعة هذا الكم الهائل من الشهادات، وأصررت على موقفي الرافض لهذا الهدر، ولكن هذا الإصرار لم يستمر طويلاً، ونصحني أحد الزملاء الأفاضل بالكلية أنه لا معني لهذا الاحتجاج، حيث أن الترقية ستظل مُعلقة حتى تقديم الشهادات الورقية الـ 16، ولا يمكن الاحتجاج بمبادئ التحول الرقمي التي يقوم المركز بالتدريب عليها.
أجد هذا الموقف كاشفًا عن العديد من الأمور التي ينبغي الالتفات إليها عند القيام بأي عملية اصلاح إداري. أول هذ الأمور هو أهمية أن يصل الإصلاح إلى كل العاملين بالجهاز الإداري، فالنجاح يقتضي إيمان والتزام الجميع بأهداف الإصلاح، فقد تبنت الجامعات المصرية التحول الرقمي والتدريس عن بعد قبل جائحة كورونا بفترة طويلة، ولكن هذه القناعة ربما لم تستقر في جميع وحدات الجامعات المصرية، ففي مقابل الاستجابة السريعة لمتطلبات التعليم عن بعد نتيجة لجائحة كورونا، استمر التعامل الورقي متأصلاً لدي شريحة من العاملين والوحدات بالجامعات المصرية.
الأمر الثاني خاص بأهمية قياس الأثر الناتج عن التدريب، فإذا لم يؤد التدريب إلى تغيير في السلوكيات، فيجب مراجعة التدريب ذاته. وأخيرًا، يجب أن تتسق القرارات المؤسسية مع الإطار العام لخطة وتوجهات الدولة، ومحاسبة الجهات على مدي تحقق هذا الاتساق في إجراءاتها.

* د. محمد علاء، أستاذ الإدارة العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.