عمرو نبيل يكتب: حدود “الخريطة التنموية” لـ “الجمهورية الجديدة”
كما أن للدول خرائط ترسم حدودها السياسية وتفصل بينها وبين الدول المجاورة لها، فللدول أيضاً خرائط ترسم نموذجها التنموي وتفصل بين عهدها الحالي وعهودها الماضية.
وشهدت “خريطة مصر التنموية” تغيرات كبرى عقب ثورة يوليو ثم في عهد السادات فعهد مبارك وصولاً لثورتي 25 يناير و30 يونيو، تغيرات من الملكية إلى الجمهورية وتغيرات من الاشتراكية إلى الرأسمالية فضلاً عن التغيرات المجتمعية، غير أن كل هذه التغيرات الكبرى لم تنجح في رسم “نموذج تنموي مصري”.
ولا تقل الخريطة التنموية للدولة أهمية عن خريطتها السياسية ولكل منهما بالغ التأثير على الأخرى، فالخرائط التنموية لا توجد فضلاً عن أن تستمر بلا خرائط سياسية، والخرائط السياسية لا تستقر بلا خرائط تنموية، وكما تحمي القوة العسكرية القوة التنموية فالقوة التنموية تدعم القوة العسكرية.
القوة العسكرية والقوة التنموية وجهان لخريطة واحدة، وحالياً تشهد الساحة العالمية والشرق أوسطية مساعي العديد من القوى العالمية والإقليمية لتحريك حدود خرائطها استناداً لما حققته من قوة تنموية، وفي المقابل يأتي الرد على هذه المساعي في شكل عقوبات اقتصادية تستهدف بالأساس القوة التنموية أكثر من الردود العسكرية.
ولذلك كان حرص الدولة المصرية في أعقاب 30 يونيو على ألا تؤثر مواجهة الإرهاب على حدود مصر الشرقية والغربية على مسيرة الدولة التنموية، وكان تأكيدها على أنه في ذات الوقت الذي تحمي فيه يد أرض وحدود الوطن ستقوم اليد الأخرى بالتنمية، وفي ذات الوقت الذي شهد المواجهات مع الإرهاب في شمال سيناء تم افتتاح قناة السويس.
لقد مرت على الدولة المصرية خلال الفترة الماضية أوقات صعبة وتحديات مصيرية، حيث كانت تؤمن حدود خريطتها السياسية في إقليم رمال حدود خرائطه السياسة متحركة بفعل قوى ومشاريع إقليمية، وكانت هذه مرحلة إعادة تثبيت أركان الدولة المصرية، لتعلن بعدها مصر عن جمهوريتها الجديدة، حيث بدأت “حدود الخريطة التنموية” لـ “الجمهورية الجديدة” في التبلور.
وبعدما بدأت الدولة المصرية في تدشين مشاريع قومية عملاقة، أعلنت الحكومة عزمها تعزيز دور وشراكة “القطاع الخاص” في تحقيق التنمية وتأكيدها على أنه “قاطرة التنمية المصرية”، ثم أعلن رئيس الجمهورية عام 2022 عاماً لـ
“المجتمع المدني” ليكتمل “مثلث التنمية” المصرية.
وبلورة “حدود الخريطة التنموية” لـ “الجمهورية الجديدة” تمثل “خارطة الطريق” لتحقيق المطالب الشعبية بـالـ “عيش”، والـ “حرية”، و”العدالة الاجتماعية”، و”الكرامة الإنسانية”، وترسم “حدود الخريطة التنموية” للدولة وثائق ثلاثة أساسية وهي: “الدستور”، و”الاستراتيجية التنموية”، و”استراتيجية الأمن القومي”، حيث يتم ترجمة هذه الوثائق على أرض الواقع عبر ثلاثة مستويات مؤسسية أساسية وهي: “المستوى السيادي” كمجلس الأمن القومي، و”المستوى المركزي” كمجلس الوزراء ووزارات التخطيط والمالية والتعليم والصحة، و”المستوى اللامركزي” في المحليات بالأقاليم والمحافظات والمراكز والقرى.
وكما اجتمعت الجماهير المصرية في الميادين لإعلان مطالبها في الـ “عيش”، والـ “حرية”، و”العدالة الاجتماعية”، و”الكرامة الإنسانية”، فإننا الآن في أمس الحاجة لتوضيح أبعاد وحدود “النموذج التنموي المصري” التفصيلية القادر على تلبية هذه المطالب كي تتمكن الجماهير من المشاركة في مساعي تنفيذه.
ومشاركة الجماهير في وضع “خريطة الجمهورية الجديدة التنموية” موضع التنفيذ يتطلب إعادة تنظيمهم في كيانات مجتمعية وسياسية ونقابية وشبابية ونيابية، وإعادة توجيه بوصلة “البيروقراطية” و”القطاع الخاص” و”الرأسمال الوطني” وفق “النموذج التنموي المصري”.