رحاب عبد الله تكتب: اوقفوا عقوبة ازدراء الأديان

1

منذ أيام أوقف الحاكم العسكري بقرار من رئاسة الجمهورية الحكم الصادر بحبس المحامي أحمد عبده ماهر خمس سنوات بتهمة ازدراء الأديان. استوقفني هذا الخبر الذي تم تداوله على عدد من صفحات التواصل الاجتماعي وبدأت أبحث عن أصل القضية للوقوف على تفاصيلها بصورة أوسع.

وجدت أن سبب القضية هو تصريحات للمحامي عبده ماهر انتقد فيها أمورًا وردت بالتراث الإسلامي، وتناوله بطريقة مغايرة.

أنا لا أدافع عن عبده ماهر ولا أقول إنني متوافقة مع كل ما طرحه ولكني أناقش فكرة أكبر من ذلك، هل مجرد التفكير فيما وصل إلينا من اجتهادات لعلماء المسلمين يستحق الحبس؟ أليس من حقنا أن نفكر كما فكروا وأن نجتهد كما اجتهدوا، وأن نضع ما يتفق مع عصرنا وشئون حياتنا التي اختلفت كليًا عما كان من ألف عام؟ وأنا هنا لا أتحدث عن الثوابت عن الفروض أو المحرمات التي لم ولن تختلف من زمن لآخر ولكني أتحدث عن إدارة شئون حياتنا وفقًا لما استجد خلال الأعوام الألف الماضية.

على سبيل المثال؛ تطور العلم وأكد قطعًا أن فترة الحمل لا تزيد عن تسعة أشهر، وهو ما لم يكن معروفًا منذ ألف عام حتى أن البعض اجتهد بأنها قد تصل لأربع سنوات! فهل مطلوب مني في هذا العصر وبعد ظهور العلم ونظرياته أن أكذبه وأسير وراء اجتهادات مر عليها ألف عام.

إن المشكلة ليست في علماء المسلمين القدماء؛ فهم قدموا كل ما يستطيعون وفق ما كان موجود في عصرهم ولهم كل التحية والتقدير، ولكن المشكلة فيمن أوقف البحث والتفكير ولم يضيف ما هو جديد فوضع هالة مقدسة على اجتهادات بشرية قد تناسب عصرًا لكنها لا تستقيم مع باقي العصور.

منذ أيام أيضا خرج علينا إسلام بحيري ينتقد ضرب الزوجة أو المرأة، قانونًا ومنطقيًا لا يوجد ما يستدعي الإعتداء على أحد فقد حرم الله ضرب الحيوان أو الإعتداء عليه فكيف أصدق أنه أباح ضرب الزوجة أو المرأة، فهل المرأة في الإسلام أقل درجة من الحيوان؟

بحثت في ذلك الأمر حتى لا يصيبني الجنون فوجت تفسيرًا لأحد المفكرين من العصر الحديث وهو الدكتور محمد شحرور والذي اجتهد في وضع تفسير جاءني أكثر منطقية فقال إن اضربوهن معناها ابتعدوا عنهن واتركوا مسكن الزوجية معللًا حجته بأن الضرب جاء في القرآن الكريم أكثر من مرة بمعنى التباعد فعلى سبيل المثال” فسيحوا ضربًا في الأرض” هنا لا يقصد الله طبعًا الاعتداء على الأرض. واستكمل شحرور تفسيره بأن الله جعل عقاب الزوجة في البداية العظة ثم الهجر في المضاجع، وآخر مرحلة البُعد الكامل بترك منزل الزوجية. ورغم أن هذا التفسير يبدو أكثر منطقية إلا لكونه لم يرد ضمن ما فسره علماء المسلمين القدامى فقد قوبل بالرفض.

لقد حاولت القيادة السياسية منذ توليها زمام الأمور مخاطبة الأزهر أكثر من مرة لتجديد الخطاب الديني ولكن حتى الآن لم نجد محاولات جادة في هذا الشأن، وبالطبع وقف حبس المحامي عبده ماهر يأتي من وعي تلك القيادة الحكيمة، ولكن التعنت من قبل بعض أجنحة المؤسسة الدينية في هذا الأمر فتح الباب أمام باحثين ومفكرين من خارج الأزهر للبحث والتجديد بأنفسهم فكانت بانتظارهم جريمة ازدراء الأديان.

إن محاكمة شخص قدم رؤية وتفسيرًا مغايرًا للدين بتهمة ازدراء الأديان هي دعوة جاهلية لوقف التفكير والاكتفاء بالنقل والحفظ وهي ما لا تتفق مع الدين الذي يقوم بالأساس على التدبر والاقناع، كما أن قصر الاجتهاد في الدين على رجال بعينهم أمر غريب لأن الدين في نظري ليس علمًا هو تكليف من الله للجميع لأننا جميعا سنحاسب بداية من الرجل أو المرأة التي لا تقرأ ولا تكتب وصولًا لأعلى درجات العلم، جميعنا سنقف أمام الله فكيف يرسل لنا الله رسالة لا يفك شفرتها سوى العلماء.

أؤكد أنني لا أدافع عن شخص ولا أتفق في كل ما قيل من محاولات للتجديد ولكنني أرفض وبشدة قانون ازدراء الأديان، فهو مخالف للتعاليم السماوية التي شددت على البحث والتدبر ووضعته شرطًا من شروط الإيمان، مما بات على كل مؤمن التفكير فكيف نضع قانونًا لسجن من يفكر في الدين.

دعونا نُطلق العنان لعقولنا لتفكر وتتوقف عن الانسياق، دعونا نبني دولة حديثة بعيدة عن الجاهلية، دعونا نقترب من الله ونعرفه بقلوبنا وعقولنا وليس بعقول السالفين، واوقفوا عقوبة ازدراء الأديان.

تعليق 1
  1. احمد جبر يقول

    مجهود رااائع ومقال مميز اتفق مع كثير منه . واضاف إليه جزء بسيط وهو ضوابط البحث والاجتهاد . فكل المطلوب ممن يطلقون عليهم باحثين فى اب مجال يوجد ضوابط لهم فى عمليه البحث . ألا يكون من الأحرى أن يكون البحث فى الشئون الدينية له ضوابط .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.