محمد سيف الله يكتب : تمويل مستدام للأوقاف الجديدة
“تلتزم الدولة بتشجيع نظام الوقف الخيري لإقامة ورعاية المؤسسات العلمية، والثقافية، والصحية، والاجتماعية وغيرها، وتضمن استقلاله، وتدار شئونه وفقا لشروط الواقف، وينظم القانون ذلك.” مادة 90 من دستور 2014 المعدل عام 2019
من الناحية اللغوية يُطلق الوقف في اللغة على حبس الشيء، يُقال: وقف الأرض للمساكين؛ أي حبسها. من الناحية المالية يشترط في الوقف تحديد العين الموقوفة، وأن تكون منفعتها مستدامة مع بقاء عينها.
الأوقاف مفهوم قديم في تراثنا كان له تأثير كبير في دعم الكثير من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية في تاريخ مصر القديم والحديث والأمثلة كثيرة جدًا من مبرات ومستشفيات وأوقاف لخدمة الأغراض التعليمية خارج سياق دور العبادة والشؤون الدينية للمساجد والكنائس.
مؤخرًا صدر دستور 2014 الذي دعا في المادة 90 منه علي تشجيع الوقف الخيري ولكن محاولات و مبادرات تمويل المشروعات التنموية و الخيرية عبر وقف أصول جديدة لا تزال أمر لم يدخل حيز التنفيذ بقدر كبير فلا يزال مفهوم الأوقاف حكرًا علي الوقف القديم المتصل بالأوقاف التابعة للهيئات الدينية (الإسلامية والمسيحية علي اختلاف الطوائف). لهذا الوضع بعض الاستثناءات بخصوص الأوقاف الجديدة التي تخرج عن حيز الهيئات الدينية مثل الوقف الخيري لمجموعة عامر جروب الذى تأسس في 2008 عن طريق تأسيس مؤسسة عامر بناء علي مخصصات تبرع بثلث أسهم المجموعة كوقف لصالح الأعمال المجتمعية في الصحة و التعليم و التدريب و المرافق و الصناعات الحرفية حتى وصل إجمالي المساهمات خلال 10 سنوات إلي 7 مليار جنيه و قد استعرضت التجربة الكاملة في مايو 2018 بملتقي المسئولية الاجتماعية للشركات CSR Forum . علي جانب أخر تأسست “مؤسسة وقفية المعادي الأهلية في شهر أيار/مايو 2007 من قبل “مروة الدالي” بهدف توفير تمويل وتطوير مستدامين لمجتمعات المعادي المحلية في مصر والضواحي المجاورة لها. توضح رؤية المؤسسة علي موقعها أن الأسلوب الأفضل لخدمة المجتمعات المحلية هو المساعدة على تمويل مشاريع مدرّة للدخل وذاتية الاستدامة بدلاً من الأعمال الخيرية التدريجية التي تميزت بها أعمال الإحسان حتى تلك الفترة, ومن بين الأمور المركزية في هذه الفكرة إعادة إحياء وتحديث مفهوم “الوقف”.
حقيقة الأمر انه مثلما ظهر مفهوم الإيجار الجديد لتخطي أزمة الإيجار القديم (المستمرة حتي يومنا هذا) نحتاج لمفهوم الوقف الجديد فربما من الصحيح أن هناك بعض المبادرات من المجتمع المدني أو برامج المسئولية الاجتماعية للشركات التي تتبني هذا المفهوم أو تسعي نحو تعزيز ثقافة الوقف إلا أنه يجب علي الدولة و مؤسستها الدفع نحو هذا الاتجاه قبل أي مبادرة محدودة من أي طرف أخر لأن ببساطة المستفيد الأول من تعميم هذا المفهوم و انتشاره هو الدولة نفسها مع إمكانية توظيف الأوقاف الجديدة في تخفيف الأعباء المالية عن الدولة في تقديم العديد من الخدمات خاصة في المجالات الصحية و التعليمية . الوقف الجديد يجب ان يكون أحد المفاهيم التي يتم الترويج لها كأداة تمويل مستدامة في عام المجتمع المدني 2022 ويجب على الحكومة ان تغذي البرلمان بكل الصياغات والدراسات للمشروعات القانونية والتنفيذية الداعمة لتبني هذا الاتجاه.
المفهوم الجديد يحتاج كيانات جديدة تتبناه خارج إطار الجهات المعنية بالأوقاف الدينية و القديمة و يقترح لتحقيق ذلك ان تساهم وزارة التخطيط و وزارة التضامن مع وزارة المالية و وزارة الاتصالات و الجهات الرقابية في صياغة مشروع قانون للوقف الخيري الجديد و أن تضع الحكومة أليات علمية وعملية للجهة المستحدثة المنوط بها متابعة الوقف الجديد بشكل يحقق التوازن بين سهولة عملية تأسيس الوقف من قبل الجهة المانحة ومتابعة إداراته بشكل يحقق شروط الواقف و الشريحة المستهدفة من الوقف (طلاب , ذوى إعاقة ,أيتام, راغبي زواج …….) كل ذلك مع تقليل الأعباء البيروقراطية واستخدام سبل ذكية في حوكمة وإدارة المنظومة الجديدة لتكون تلك المنظومة أحد مخرجات السياسة بمفهوم جديد.
مصادر:
الوقف الخيري لمجموعة عامر جروب
نبذة عن اختصاص هيئة الأوقاف المصرية
https://bit.ly/3oMECRh
https://bit.ly/3slteN5
https://bit.ly/3B0MyDl