د. أحمد سلطان يكتب | الغاز والأزمة الروسية الأوكرانية

0

أوكرانيا هي المنطقة العازلة بين الشرق والغرب، حيث تعدها روسيا العمق الاستراتيجي والمجال الحيوي الذي يقربها من الجزء الغربي وجهة تأمين الجهة الشرقية من أي نفوذ غربي، بالإضافة للنظرة الأوربية لأوكرانيا بأنها البوابة الشرقية للقارة العجوز، وعلى مدار العصور حاولت أوروبا عدم السماح لدولة قارية مركزية كروسيا أن تسيطر على هذه الرقعة أو أن تتجاوزها، وعلى مر العصور ارتبطت أوكرانيا بمصالح القوى العظمي، لما تتمتع به من مقومات جعلتها في حقب زمنية مختلفة منطقة تنافس دولي بين الإمبراطوريات القديمة وبين الغرب.
بعد أسابيع من التوقعات والمناوشات، وتحت شعار نزع سلاح حكومة كييف التي اتهمها بالإشراف على إبادة جماعية في المناطق الشرقية من أوكرانيا، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فجر إطلاق عملية عسكرية في منطقة دونباس شرقي أوكرانيا، وبينما تتجه أنظار المجتمع العالمي صوب الأراضي الأوكرانية، تنذر الأزمة المتصاعدة بعواقب تتعدى حدود القارة العجوز، ليشعر بها شعوب العالم، وعلى وجه التحديد الدول العربية… فما المخاطر المحتملة التي تحملها الأزمة الروسية الأوكرانية؟ وكيف يمكن التعامل معها؟
منذ بداية الأزمة والتهديدات الروسية وكيفية وأسلوب الرد الغربي عن تلك التهديدات، ظهرت العقوبات الاقتصادية كأداة أساسية في ترسانة المعسكر الأوربي للتعامل مع الدب الروسي، وقد طُرح ملف الطاقة كأداة هامة على مائدة النزاع، وتحديداً إمدادات الغاز الروسي، كورقة مساومة أساسية في هذا الإطار، وملف الطاقة بالتحديد يعتبر سيفاً ذا حدين، فمن جهة تعتبر هذه الخطوة عائقاً لأنها تعني ضرورة البحث عن مصدر للغاز بديلاً عن الغاز الروسي ومن المستحيل إيجاد بديل سريع يغنى أوروبا عن الأمداد الروسي، ومن جهة أخري يمثل فرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي وبالتحديد الغاز صفعة وضربة موجعة لموسكو، والتي تشكل صادراتها من الغاز والنفط إلى القارة العجوز رافداً وشرياناً رئيسيًا لاقتصادها.
تعتمد القارة الأوربية على روسيا في نحو أكثر من ٤٠٪ من الغاز الطبيعي الذي يأتيها معظمه عبر خطوط أنابيب، منها يامال-أوروبا الذي يعبر روسيا البيضاء وبولندا إلى ألمانيا، ونورد ستريم ١ الذي يذهب مباشرة إلى ألمانيا مروراً بأوكرانيا.
بعض البلدان الأوربية لديها خيارات أخرى، فعلى سبيل المثال، يمكن لألمانيا، والتي تعتبر أكبر مستهلك للغاز الروسي، الاستيراد من هولندا والنرويج والدنمارك النرويج عبر خطوط الأنابيب، غير أن رئيس وزراء ثاني أكبر مورد للغاز الأوربي وهو النرويج، صرح بإن بلاده تشحن الغاز الطبيعي بأقصى طاقتها ولا يمكنها تعويض أي نقص في إمدادات الغاز من روسيا.
يتطلع الأوروبيون وحليفهم الأمريكي للدول العربية المنتجة للغاز والنفط كقطر والجزائر وغيرهما بوصفها المنقذ العالمي ومصدراً هاماً يمكن أن يعوض بعض النقص في إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، كما أن يلعب دوراً أساسيا في استيعاب الاضطرابات التي من المؤكد أن تصيب السوق العالمي للنفط نتيجة للتوترات الروسية الأوكرانية… روسيا أوكرانيا، هل من فرص اقتصادية يمكن استثمارها؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.