رحاب عبد الله تكتب | في يوم المرأة العالمي، اوقفوا معارك النساء

0

يحتفل العالم اليوم، في ٨ مارس من كل عام بيوم المرأة العالمي. ولكني، كامرأة مصرية، وجدتني هذا العام أنتمي وأطالب بيوم المرأة المصرية ليكون الخامس من مارس والذي يتوافق مع اليوم الأول لجلوس المرأة المصرية على منصة القضاء.
خبر قد يراه البعض بسيطا وقد لا يعلم كواليسه غير المهتمين، ولكن الحقيقي هو أن جلوس المرأة على منصة القضاء هو انتصار عظيم بعد سنوات طويلة وعقود صارعت وكافحت فيها المرأة لتحقيق هذا الحلم، حتى كلل الله سنوات كفاحها بقيادة سياسية قلما يجود الزمان بها انحازت وانتصرت لها.
انتصار جديد يضاف لانتصارات المرأة المصرية التي تعاني منذ الأزل لتنال حقوقها كإنسان، فبعد صراع طويل تمكنت المرأة في القرن الماضي من انتزاع حق التعليم ثم حق دخول الجامعة ثم تولي المناصب دون تمييز لتبقى مناصب بعينها لا تزال عصية عليها كان من بينها القضاء.
منذ ثلاثة أعوام جاءتني فتاة للجريدة حاصلة على تقدير كبير بكلية الحقوق يجعلها من أوائل الدفعة، وأرادت التعيين بالنيابة الإدارية وتوجهت لسحب الملف فسخر منها جميع الموظفين فقط لكونها فتاة مما جعلها تبكي وترفع دعوى في القضاء الإداري لرفضهم منحها ملف التقديم لكونها فتاة رغم عدم وجود ما ينص في الدستور أو القانون على ذلك.
كل الصراعات التي خاضتها المرأة لم تكن ضد القانون ولكن ضد العرف والتقاليد فليس هناك في القانون ما يمنع تقلد المرأة المناصب القيادية ولا حتى الترشح لرئاسة الجمهورية، ولكنها تلك التقاليد البالية التي تسجن المرأة وتضع سقفا لطموحها لترضي أوهام ليس لها وجود سوى في عقولهم المظلمة.
لذلك أرى أن صراع المرأة لن ينتهي إلا بتنوير الوعي، وإعادة صياغة العقل المصري بأن المرأة إنسان مثلها مثل الرجل تفهم وتستوعب وتستطيع أن تدير وتحكم، حتى إن أرادت القوة البدنية لنالتها وهو ما برهنته العديد من الفتيات المصريات والآتي رفعن اسم بلادهن في رياضات الألعاب القتالية كفريال أشرف، فلماذا تلك النظرة الأقل للمرأة؟!
أحدهم قال لي ذات مرة جملة لن أنساها أن أبسط وأوضح الأمور هي التي يصعب استيعابها، وبمرور الأيام تأكدت تلك المقولة، فرغم نجاح المرأة في كل مجال خاضته لا تزال بعض العقول غير قادرة على استيعاب ذلك، رغم أن التجربة والحقيقية واضحة وضوح الشمس إلا أن عقولهم وقلوبهم غلف لا يستمعون ولا يتفكرون.
نجحت المرأة في التعليم وفي الجامعة، كما نجحت كعائل للأسرة في حالة غياب العائل أو مرضه، نجحت كبرلمانية وكمديرة وكمحافظة، وطبيبة، ووجدنا فتيات تعمل في الميكانيكا وسائقات تاكسي وميكروباص، وصيادات للسمك ومزارعات وبطلات عالميات في ألعاب قتالية، كما ستنجح على المنصة.
الأجمل أن نجاحات المرأة السابقة تسير جنبا إلى جنب مع نجاحها في بيتها وأسرتها ومع أبنائها، وهو ما يجعلها كائن استثنائي، ورغم ذلك لا تزال بعض العقول ترفضها كإنسان على نفس الدرجة وترى في ذكوريتها ميزة لا أعلم ما هي على وجه التحديد.
لكي تتوقف معارك المرأة ومحاولات إثبات دائما أنها قادرة لابد من تكاتف الجميع في معركة واحدة كبرى هي معركة الوعي، يجب إعادة برمجة العقل المصري على ما برهنته السنوات والتجربة بأن المرأة إنسان مثل الرجل وأن اختلاف النوع هو لتحقيق التكامل في الحياة وليس ليكون لأحدهما على الآخر فضل.
يجب أن ينظر الإنسان لمن حوله نظرة عادلة تتعلق بشخصه وأداؤه ومعاملته وليس بجنسه أو لونه أو نوعه.
رغم الخبر العظيم بتقلد المرأة منصة القضاء أحزنتني التعليقات عليه التي جاء أغلبها ساخرا مستهزئا لدرجة أن أحدهما يعمل محامي على ما يبدو قال في تعليق له” والله لو دخلت على وكيل نيابة ولا قاضي ولقيتها واحدة ست مش حاضر القضية وحتنازل عنها”.
قمة الحزن أن تكون في مجتمع لا تزال قاعدة عريضة منه تفكر بعقول الجاهلية، لا تزال تملك نظرة سطحية للأمور هو لا يرى فيمن أمامه سوى جنسه ونوعه ليس قدرته وكفاءته، وما دامت تلك العقول باقية فستستمر معارك النساء.
لكي نفوز بكافة المكاسب في معركة واحدة لابد أن تكون معركتنا جميعا هي معركة الوعي بأن الإنسان لا يتميز عن غيره سوى بأخلاقه وضميره واجتهاده أما جنسه ونوعه هي أمور لا دخل له فيها ولا تؤثر على كفاءته. علموا أولادكم أن لا فضل لولد على بنت ولا فضل لرجل على امرأة سوى بالاجتهاد والكفاءة. وأن وجود شخص فاشل أو بلا ضمير هو أمر لا علاقة له بنوعه وإنما بأخلاقه. وأن إنجاز مصالح الناس ورعايتها لا علاقة لها بالنوع وإنما بالضمير الإنساني.
إن المرأة وأن يراها البعض نصف المجتمع فأنا أراها أم المجتمع برجاله ونساؤه فهي من تنجب المجتمع ومن تربي وتعلم وأحيانا تتكفل وتعول، هي إنسان يمتلك كل ما يمتلكه الرجل وأحيانا تزيد، هي الكائن الأكثر تحملا للضغط والألم والتهميش، ورغم ذلك يظل قادرا على العطاء، هي تستحق أن ينصفها المجتمع وليس فقط القيادة السياسية، تستحق أن يتم النظر لها كإنسان، وأن تتوقف قليلا عن الصراع والكفاح لكي تثبت تلك الحقيقة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.