وليد عتلم يكتب | الحرب الروسية وثوابت السياسة الخارجية
قرارنا المصري الوطني مستقل وبخير؛ التصويت المصرى على قرار إدانة الهجوم الروسى على أوكرانيا، يعكس استقلالاً تاماً للقرار الوطنى المصري، وهو ما تترجمه توجهات السياسة الخارجية المصرية القائمة على ثوابت حفظ السلم والأمن الدوليين فى شتى بقاع الأرض، وهي رسالة لمن يعي، بأننا لسنا دعاة حرب، أو نسعى لإحداث عدم الإستقرار هنا وهناك كما يحاول البعض، وكما يدعي البعض الأخر.
هذه الثوابت فى السياسة الخارجية المصرية؛ أكد عليها بيان وزارة الخارجية الذى أشار إلى أن التصويت المصرى جاء انطلاقاً من إيمان مصرى تام بقواعد القانون الدولي. لذلك علينا أن ندرك ونعى تماماً أن العلاقات بين الدول يحكمها منطقُ مختلف تماماً عن ذاك الذى يحكم العلاقات الخاصة والشخصية؛ وهو منطق ومحددات مختلفة تماماً عن تلك التى تصاغ بها تحليلات «السوشيال ميديا» التى غالباً ما تروج لمواقف وتوجهات حادة، لكن فى العلاقات الدولية لا صداقات دائمة، وأيضاً لا عداءات دائمة، هناك مصالح دائمة تصاغ فى إطارها سياسات وعلاقات الدول ببعضها البعض. والقيادة السياسية تعمل دائماً وأبداً على إقرار السياسات والتوجهات التى تُعْلِى من المصالح الوطنية، وتحافظ عليها وتدعمها وعلى نحوً متوازن.
أصبحت السياسة الخارجية المصرية تواجه العديد من التحديات في ظل بيئة إقليمية ودولية أضحت أكثر تعقيداً، وأكثر تنافسية؛ والأزمة بين روسيا والغرب في أوكرانيا تشير إلى صياغات وأطر مختلفة لنظام عالمي جديد، وكما يتضح الان فهناك محور صيني-روسي في مواجهة تحالف غربي بقيادة الولايات المتحدة وحلف الناتو، لذلك كان الإدراك المصري المبكر ما قبل الأزمة الروسية الأوكرانية لحدود هذا التغيير، والطبيعة الجديدة للنظام الدولي الراهن الذي يمكن وصفه بعالم “اللاقطبية”، او النظام العالمي متعدد الأقطاب والفواعل.
ارتباطًا بما تقدم؛ فقد عمدت القيادة السياسية منذ 2014 إلى إقرار وصياغة سياسة خارجية أكثر تنوعاً وتوازناً قائمة على الثوابت الرئيسية لتوجهات جمهورية يونيو الجديدة المتمثلة في دعم الاستقرار في المنطقة العربية ـــ خاصة في البؤر الساخنة في كل من ليبيا، اليمن، وسورياـــ من خلال رفض الحلول العسكرية، وكذلك العمل على دعم هياكل ومؤسسات الدولة الوطنية بما يعزز الأمن والسلم الإقليمي والدولي.
على المستوى الدولي؛ استعادت مصر قدرًا كبيرًا من التوازن في علاقتها مع القوى الكبرى من خلال استمرار العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وفى الوقت نفسه فتحت آفاقًا جديدة للعلاقات مع قوى كبرى أخرى مثل روسيا والصين والاتحاد الأوربي، كذلك كان الإهتمام المصري كبيراً بالفواعل الدوليين من غير الدول، مثل المؤسسات والمنظمات الدولية، والشركات متعددة الجنسيات في مختلف المجالات، حيث التركيز على إعادة الفاعلية للدور المصري في عضوية تلك المنظمات خاصة في مجالات المناخ، البيئة، والطاقة من جانب، وتدعيم علاقات ومصالح مصر الاقتصادية بالشركات العالمية الكبرى مثل “إيني الإيطالية”، و “سيمنز الألمانية” وغيرها من الشركات التي تساهم بشكل كبير في مسيرة التنمية الوطنية.
مما لا شك فيه أن التغييرات على مستوى النظام الدولي على النحو القائم، وإن كانت تمثل تحدياً للسياسة الخارجية المصرية، لكنها في الوقت ذاته تمثل فرصة لزيادة مساحة الدور المصري على المستويين الإقليمي والدولي، باعتبار القاهرة حجر أساس وركيزة الإستقرار في منطقتي الشرق الأوسط وأفريقيا، وهما أكثر المناطق تأثراً من الناحية؛ الإقتصادية والأمنية بتداعيات التغييرات على المستوى الدولي. حِفْظُ اللهِ الْوَطَنِ … حِفْظُ اللهِ مِصْرٍ