مازن كم الماز يكتب | اليسار والملكية العامة والملكية والجماعية
هذا المقال ترجمة عن مقال للكاتب الهولندي اليساري الشهير “أنطون بانيكوك” ويقول فيه إن: الهدف المعلن للاشتراكية هو أن تنتزع وسائل الإنتاج من أيدي الطبقة الرأسمالية و تضعها في أيدي العمال. يجري التعبير عن هذا الهدف أحيانا كملكية عامة، وأحيانا كملكية جماعية لأدوات الإنتاج. لكن هناك فرق مهم وأساسي بينهما.
الملكية العامة، أي حق التصرف، من خلال هيئة عامة تمثل المجتمع، بواسطة الحكومة، سلطة الدولة أو هيئة سياسية أخرى ما. والأشخاص الذين يشكلون هذه الهيئة، السياسيون، الموظفون الرسميون، الأمناء، المدراء، كسادة مباشرين لمنظومة الإنتاج. أي أن يديروا و ينظموا عملية الإنتاج، يأمروا العمال. أما الملكية الجماعية فهي حق الإدارة ( أو التصرف ) من قبل العمال أنفسهم، أن تكون الطبقة العاملة نفسها – مأخوذة في أوسع معنى لكل من يشارك في عمل منتج بالفعل، بما في ذلك الشغيلة، المزارعين، العلماء – هي السيد المباشر لمنظومة الإنتاج، تدير، توجه، و تنظم عملية الإنتاج، التي هي بالفعل عملهم المشترك .
تحت الملكية العامة ليس العمال سادة عملهم، إنهم يعاملون بشكل أفضل وقد تكون أجورهم أعلى مما هي تحت الملكية الخاصة، لكنهم ما زالوا عرضة للاستغلال. لا يعني الاستغلال ببساطة ألا يحصل العمال على كل الإنتاج الذي ينتجونه، فهناك جزء هام منه يجب أن يصرف على منظومة الإنتاج و على أقسام غير منتجة و لكنها ضرورية من المجتمع. يتمثل الاستغلال في أن آخرين، الذين يشكلون طبقة أخرى، يملكون حق التصرف بالإنتاج و توزيعه، أنهم هم من يقرر أي جزء يجب تخصيصه للعمال كأجور، و أي جزء يجب أن يستبقوه لأنفسهم ولأغراض أخرى. في ظل الملكية العامة يعود كل هذا إلى تنظيم عملية الإنتاج، التي هي وظيفة البيروقراطية. هكذا فإن البيروقراطية كطبقة حاكمة في روسيا هي سيدة الإنتاج و نتاجه، و العمال الروس هم طبقة مستغلة .
في البلدان الغربية إننا نعرف فقط عن الملكية العامة ( في بعض فروع ) الدولة الرأسمالية. هنا يمكننا أن نقتبس من الكاتب الاشتراكي الانكليزي المعروف ج. د. ه. كول، الذي تتطابق عنده الاشتراكية بالملكية العامة. كتب كول:
“لن يكون الشعب بمجمله أكثر قدرة لإدارة صناعة ما من الهيئة الكاملة لمالكي الأسهم في شركة كبرى معاصرة … سيكون من الضروري، في ظل الاشتراكية كما هو ضروري تحت الرأسمالية الكبيرة، تفويض الإدارة الفعلية للشركة الصناعية لخبراء يتقاضون أجورا لقاء ذلك، يتم اختيارهم بسبب معرفتهم المتخصصة و قدرتهم في فروع معينة من العمل”. “لا يوجد سبب للافتراض أن تأميم أية صناعة سيعني تغييرا كبيرا في هيئتها الإدارية”.
بكلمات أخرى: ستبقى بنية العمل الإنتاجي كما هي في الرأسمالية، سيبقى العمال خاضعين للمدراء الذين يأمرونهم. من الواضح أنه لم يخطر على بال الكاتب “الاشتراكي” أن “الشعب بأكمله”يتألف في الأغلب من العمال، الذين هم أشخاص قادرين بالفعل على إدارة الصناعة، كونهم أشخاصا يقومون بالإنتاج، و التي تشكل عملهم الخاص .
كتصحيح للإنتاج الذي تسيره الدولة تجري المطالبة أحيانا بإدارة عمالية. هنا، أن تجري المطالبة بالإدارة، التوجيه، من قبل شخص أعلى يدل على المزاج الخاضع لكائنات عاجزة تتعرض للاستغلال. وعندها يمكنك أن تسيطر على عمل شخص آخر، أما عملك الخاص فأنت لا تريده أن يخضع لآخرين، تقوم به أنت. العمل المنتج، الإنتاج الاجتماعي، هو العمل الأصيل للطبقة العاملة. إنه مضمون حياتهم، و نشاطهم الخاص. يمكنهم أن يهتموا بأنفسهم إذا لم توجد هناك قوة شرطة أو دولة لتمنعهم من ذلك. لديهم الأدوات، الآلات في أيديهم، إنهم يستخدمونها و يديرونها. إنهم لا يحتاجون سادة ليأمروهم، و لا أموالا تتحكم بالسادة .
الملكية العامة هي برنامج “أصدقاء” العمال الذين يريدون أن يستبدلوا الاستغلال القاسي للملكية الخاصة باستغلال أكثر اعتدالا و معاصرة. أما الملكية الجماعية فهي برنامج الطبقة العاملة نفسها، نضالها في سبيل تحررها الذاتي .
إننا لا نتحدث هنا بالطبع عن المجتمع الاشتراكي في مرحلة لاحقة من التطور، حيث سيجري تنظيم الإنتاج بحيث لن توجد هناك أية مشاكل، حيث نتيجة لوفرة الإنتاج سيأخذ كل فرد حسب رغباته، و ستختفي فكرة “الملكية” بالمجمل. إننا نتحدث عن اللحظة التي تستولي فيها الطبقة العاملة على السلطة السياسية والاجتماعية، وتقف في مواجهة مهمة تنظيم الإنتاج والتوزيع تحت أكثر الظروف قسوة أو صعوبة. الصراع الطبقي للعمال في الأيام الحالية و في المستقبل القريب سيتحدد بقوة من خلال أفكارهم عن الأهداف المباشرة، فيم إذا كان سيجري العمل على تحقيق الملكية العامة أم الجماعية في ذلك الوقت.
إذا رفضت الطبقة العاملة الملكية العامة مع ما تعنيه من عبودية واستغلال، وطالبت بالملكية الجماعية ومعها حريتها وإدارتها الذاتية، فإنه لا يمكنها أن تفعل ذلك دون أن تحقق ما تتطلبه من ظروف و أن تنهض بواجباتها. تعني الملكية الجماعية للعمال، أولا، أن كل المنتجين هم سادة وسائل الإنتاج و يستخدمونها بنظام جيد التنظيم من الإنتاج الاجتماعي. تعني ثانيا أنه في كل المصانع، و المعامل و الشركات سينظم الناس عملهم المشترك كجزء من الكل. لذا عليهم أن يخلقوا أدوات يوجهون من خلالها عملهم هذا، كأفراد، بالإضافة إلى الإنتاج الاجتماعي عموما. لا يمكن لمؤسسة الدولة و الحكومة أن تخدم هذه الغاية لأنها في الأساس أداة للهيمنة، و لأنها تركز الشؤون العامة في أيدي مجموعة من الحكام. لكن الشؤون العامة في ظل الاشتراكية توجد في الإنتاج الاجتماعي، لذلك فهي شأن الجميع، كل فرد، كل عامل، أن تناقش و تقرر في كل لحظة من قبلهم. يجب أن تتألف أجهزتهم تلك من مندوبين يرسلون كحملة لآرائهم، وسيرجعون إليهم باستمرار ليبلغوهم عن النتائج التي توصلوا إليها في مجالس المندوبين. من خلال هؤلاء المندوبين الذين يمكن تغييرهم واستدعاؤهم في أية لحظة يمكن بناء الصلة بين الجماهير العاملة إلى مجموعات أصغر و أكبر و ضمان تنظيم الإنتاج .
أجهزة كهذه من المندوبين، التي أخذت تسمى بمجالس العمال، تشكل ما يمكن تسميته بالتنظيم السياسي الملائم لتحرير الطبقة العاملة لنفسها من الاستغلال. لا يمكن اختراعها مسبقا، يجب أن تتشكل من خلال النشاط الفعلي للعمال أنفسهم عندما تبرز الحاجة إليها. هؤلاء المندوبين ليسوا برلمانيين، و لا حكام و لا قادة، بل وسطاء، رسل خبيرون، يشكلون الصلة بين الأفراد المعزولين في الشركات، موحدة أفكارهم المنفصلة في قرار جماعي. تتطلب الملكية الجماعية إدارة جماعية للعمل بالإضافة إلى نشاط إنتاجي جماعي، و يمكن تحقيقها فقط إذا شارك كل العمال في هذه الإدارة الذاتية لما يشكل أساس و محتوى الحياة الاجتماعية، و إذا ما خلقوا الأجهزة التي توحد إراداتهم المنفصلة في فعل جماعي واحد.
حيث أن مثل هذه المجالس العمالية ستلعب دون شك دورا هاما في التنظيم المستقبلي لنضالات العمال و أهدافهم، فإنها تستحق اهتماما و دراسة صادقة من كل أولئك الذين يقفون إلى جانب النضال الصلب للطبقة العاملة و حريتها.