عباس علي العلي يكتب | الإصلاح الديني ومسألة الديمقراطية

0

الديمقراطية التي يديرها الإسلاميون اليوم في العراق وبعض البلدان التي سيطر فيما لما يعرف بالتيار السياسي الديني نتيجة التغيرات السياسة الفكرية وما يسمى بالربيع العربي تواجه تحدي حقيقي وجاد بين إرادة هذه القوى ومحاولة تسخير الشارع الشعبي لها باعتمادها مقولات دينية وتبريرات تؤدي إلى إحراج اليقين العقائدي للشعب وتضعه بين خيارين , الخضوع لها تحت مسمى الأقليمة المؤمنة المرسلة والمسددة من الله أو الخروج عن إرادة الطاعة وبالتالي إعلان ضمني بتكفير كل المجتمع، أقول لو أن هذه العملية التي ركبها التيار الإسلاموي وهو غير مؤمن بها إلا أنها أفضل طريق للوصول للسلطة وبالتالي الانقلاب على العملية برمتها بتبني شعار الإسلام هو الحل ,أكرر لو أفضت إلى خيار شعبي حقيقي بأن الشعب لا يريد إقحام الدين في السياسة ولا يريد الإسلاميون أن يتصدروا المشهد لأنهم لم يقدموا لهم ما هو خير وما هو أحسن.

أجزم يقينا من ناحية الإرادة الربانية التي نستقيها من روح الرسالة الدينية وبما نعرف من مقاصد الدين وأساليب الرحمة الربانية أن الله سيكون مع الشعب وخياراته ضد التدين المنحرف والاستغلال السيء لأحكام الشريعة ولي عنق النصوص والأفكار بما يؤدي إلى تشغيل الدين في ماكنة السياسة، لحقيقة أن الله ليس بحاجة لإثبات قدرة.
لا تختلف تجربة الإسلام السياسي اليوم أبدا عن كل التجارب التي خاضتها الشعوب من قبل في كل بقاع العالم كما لا تختلف طرق المواجهة والمراجعة إلا ببعض التفاصيل التي لا تؤثر على الصورة العامة للحل ,كما لا تختلف بحقيقة الهدف المرجو منها وهو الإنسان الذي خاطبة الله والدين على أنه هدف الوجود وغاية الخلق الكلية أن يكون رسول إصلاح وخليفة تعمير, بعيدا عن إثبات أو نفي إرادة التي ابتدعها واخترعها المتدينون وأعطوها أهمية ليس لها أرض واقع وهي الحكم بما أنزل الله, بمعنى أن يكون الله هو الحاكم السياسي أو من ينوب عنه وهذا تقزيم وتحقير لدور عظمة الله ودور الدين وأهدافه النبيلة وسماحة المؤديات والنتائج حين نحصر الحاكمية الربانية بالسياسة .
التجربة التاريخية اليوم والتي مرت وأمسك بها الآخرون يجب أن تدرس اليوم دراسة واعية ونقدية وليست نقل حرفي لأننا بذلك نزرع أول وأهم أسباب الفشل على المستوى العملي والتدبيري، تجربة بدون ملاحظة عوامل البيئة ومستلزمان الزمان والمكان والحل وتلازم ما بين أسباب ونتائج لا يمكن أن نتوقع لها نجاح مهم ومؤثر وحقيقي وإلا هذا يعني تكرار فشل وإرغام تطبيق غير مناسب مع حال غير متناسب سيؤدي بالتالي إلى تعميق وتجذير الأزمة والإشكالية بدل حلها , الحركة التصحيحة والقيادة العملية تبدأ ليس من خلال مهاجمة الآخر واستفزاز عوامل الصدام معه مما يؤدي إلى تمزق وتشظي القاعدة المستهدفة من العملية، بل بتقديم النموذج الأصح والأصلح وهذا هو واجب النخب التي عليها إعادة وعيها الوجودي والتاريخي والإنساني أولا، وبتأثير هذا الوعي ستسقط رؤية الآخر سليما بفشلها في التنافس وعدم قدرتها أ تتجاوز واقعها العقائدي.
إن المطالبة اليوم بالدولة المدنية وشعارات العلمانية والليبرالية والصراخ الفارغ في الشوارع أو في مواقع التواصل لا تجدي مع مواجهة تأريخية بحجم إشكالية ومأزق المجتمع الإسلامي وأمراضة التأريخية ما لم يصاحبها رؤية عملية وعلمية جادة وواعية تستند إلى الخصيصة المحلية وتجيب على أهم التساؤلات التي نجح الإسلاميون في استغلالها وتحفيز العقل الجمعي الشعبي بالذات على إتباعهم كالأعمى، تطرح هذه الرؤية على الناس من خلال سلوكية حسية ومنهج دراماتيكي وبراغماتي يلبي هاجس الإنسان في إرتباطه مع الدين ولا يمنح ولا يشجع على فرض الرؤية الواحدة مقابل الأخر، كما يتبنى جملة من الحلول التي عجز الإسلام السياسي عن إدراكها والتي تتمثل بالقاعدة الأساسية التي تحرك جماهير الشعب وهي العمل والاقتصاد والبناء المستمر الذي سيجعل من حياتهم والرؤية في مسار واحد مرتبط جدليا ليضمن ألا تكون الشعارات مجرد مرحلة لتغير الوجه السياسي ثم النكوص عنه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.