كاظم المقدادي يكتب | التغيرات المناخية والصحة

0

تزداد الأمراض المناخية بينما خطط المواجهة محدودة. تحولت ظاهرة التغير المناخي Climate change إلى مشكلة بيئية عالمية، وتحظى باهتمام دولي واسع لما تنطوي عليه من تداعيات خطيرة، بيئية وصحية وإقتصادية وإجتماعية، وتهدد الأمن والسلم الدوليين.وقد حذر أحدث تقرير علماء وخبراء دوليين أن البشرية تتجه نحو « مستقبل مروّع لا تدركه.
الدول العربية تعتبر من بلدان العالم الأكثر تعرضاً وتهديداً لمخاطر التغيرات المناخية، لاسيما وهي تشهد إرتفاعاً غير مسبوق لدرجات الحرارة،تجاوزت الـ 55 درجة مئوية. إلى جانب الجفاف والتصحر وتراجع الموارد المائية.وكل هذا هدد ويهدد الأمن الغذائي، فتقلص الإنتاج الزراعي، وتدهور الغطاء النباتي،وفُقِدَ التنوع البيولوجي، إضافة إلى تداعيات اقتصادية- اجتماعية وصحية، أبرزها إنتشار الأمراض المختلفة وتفاقم الأوبئة، التي حصدت أرواح اَلاف المواطنين..
التقرير الجديد،الذي أصدره مؤخراً “المنتدى العربي للبيئة والتنمية” (AFED)،بعنوان “الصحة والبيئة” الذي دأب خبرائه على دراسة وتقييم الأوضاع البيئية والصحية في البلدان العربية وإصدار تقرير سنوي عنها منذ عام 2008، يكرس فصلا خاصاً لـ ” أثر تغيُّر المناخ على الصحة” في البلدان العربية، جاء فيه:
يعدّ تغيُّر المناخ وآثاره على الصحة العامة أحد التحديات الكبرى التي تواجه تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030. وينتج عن ارتفاع درجات الحرارة والظواهر الجوية القاسية زيادة في المخاطر الصحية، كأمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الجهاز التنفسي وضربات الشمس، بالإضافة إلى الإصابات المباشرة والوفيات. وتشمل الآثار غير المباشرة لتغيُّر المناخ انتشار الأمراض المنقولة عن طريق المياه والغذاء والكائنات الحاملة للأمراض، وتدهور الأمن المائي والغذائي، والنزوح والهجرة القسرية، واختلال الصحة العقلية والصحة المهنية. ويمتد تأثير تغيُّر المناخ غير المباشر على صحة الإنسان ليشمل تراجع التنمية المستدامة وتفاقم حالة الفقر، مما ينعكس سلباً على الصحة البشرية ويُضعف من قدرة الخدمات العلاجية والإستشفائية.
أوضح التقرير ان العلاقة بين تغيُّر المناخ والصحة تنظمها مجموعة من العوامل البيئية والاجتماعية والاقتصادية، وكذلك قدرة المجتمعات على الصمود أمام الكوارث. وتلعب العوامل البيئية والاجتماعية دوراً هاماً في التأثير على العواقب الصحية لتغيُّر المناخ. وعلى سبيل المثال، غالباً ما يكون الأطفال والنساء في البلدان النامية في طليعة الفئات الأكثر تضرراً خلال فترات الجفاف، خاصة لدور النساء الأسري في جلب المياه. ومع ذلك، من الملاحظ أن معدلات الانتحار بين المزارعين الذكور أثناء فترات الجفاف أعلى مقارنةً بالنساء.
وفي حالات الأمراض الناشئة والمنتقلة من الحيوانات إلى البشر، مثل كوفيد-19 وإيبولا وإنفلونزا الطيور وسارس وغيرها، يؤدي التراجع في التنوع الحيوي والتغيُّرات في استخدامات الأراضي والنُظم البيئية وموائل الحيوانات، التي ازدادت نتيجة تغيُّر المناخ، إلى جعل البشر على اتصال وثيق بالحياة البرية مما يزيد من فرص التفاعل بين نواقل المرض والإنسان.
ناقش التقرير الدوافع البيئية الرئيسية التي لها تأثير كبير على مختلف جوانب صحة الإنسان في الدول العربية، بما فيها تغيُّر المناخ، حيث تشير الدراسات المتاحة إلى أن تغيُّر المناخ قد أثّر سلباً على الصحة العامة في المنطقة العربية.
كانت البلدان العربية شهدت زيادة في أعداد الوفيات والمصابين بالأمراض المعدية وغير المعدية ذات الصلة بتغيُّر المناخ، لا سيما بين الفئات السكانية الضعيفة مثل الأطفال وكبار السن، والعاملين في الهواء الطلق، وهم الأكثر تعرضاً للهواء الملوث والغبار والحرارة المرتفعة. ومن المتوقع أن يكون خطر الوفاة لأسباب بيئية مرتبطة بالعوامل الطبيعية بين أبناء المنطقة أعلى بنحو 8 إلى 20 مرة خلال الفترة بين 2006 و 2100 مقارنة بمعدلات الفترة بين 1951 و 2005.
خلال السنوات القليلة الماضية، جرى الإبلاغ عن ارتباطات بين ارتفاع درجات الحرارة بسبب تغيُّر المناخ والوفيات في بعض البلدان العربية. فأثناء موجة الحر في سنة 2015، سجّلت مصر 70 حالة وفاة بسبب ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة. كما أفادت دراسة عن وجود ارتباط بين درجات الحرارة المرتفعة والوفيات غير العرضية في الكويت، في دراسة شملت الفترة ما بين مطلع 2010 ونهاية 2016.
في أكثر من بلد عربي، تسببت الفيضانات خلال العقد الماضي بعدد من الإصابات والوفيات، كما في السعودية (فيضانات جدة في 2009 و2011) واليمن والمغرب والسودان والأردن والجزائر وغيرها. وفي اليمن، توفي 7 أشخاص من حمى الضنك بعد نزوح 36 ألف شخص بسبب إعصار في سنة 2015.
على الرغم من عدم وجود ارتباطات ذات دلالة إحصائية بين الآثار الصحية القصيرة المدى للعواصف الترابية في الكويت، مع خطر الوفاة الآنية من الأمراض القلبية الوعائية أو أمراض الجهاز التنفسي أو الوفيات الإجمالية، خلصت دراسة حديثة فحصت معدل الوفيات في الكويت بين 2000 و2016 إلى وجود علاقة طردية بين الوفيات والعواصف الترابية وضعف الرؤية على الطرقات.
وتعتبر الأمراض التي تنتقل عن طريق الغذاء مشكلة صحية عامة في المنطقة العربية، وإن كانت أعباؤها تتباين بين بلد وآخر. ويسجل إقليم شرق المتوسط، الذي يضم معظم الدول العربية إلى جانب إيران وأفغانستان، ثالث أكبر معدلات الإصابة بالأمراض المنتقلة عن طريق الغذاء عالمياً. ويوجد نحو 100 مليون شخص يتأثرون سنوياً بهذه الأمراض، ثلثهم من الأطفال دون سن الخامسة.
ويؤدي الصيف الطويل مع درجات الحرارة المرتفعة في بعض الدول ذات الطبيعة الصحراوية إلى زيادة مخاطر الإصابة بالتسمم الغذائي. وقد شكّلت السالمونيلا نحو ثلثي حالات التسمم الغذائي المبلَّغ عنها في بعض الدول الخليجية، خلال السنوات الماضية التي شهدت درجات حرارة مرتفعة.
ويعتبر تغيُّر المناخ سبباً هاماً للأمراض التي تنتشر عبر النواقل الحية في المنطقة العربية، مثل الليشمانيات والملاريا وحمى الضنك. وتعدّ الملاريا التي ينقلها البعوض متوطنة في أربعة بلدان عربية هي جيبوتي والصومال والسودان واليمن. وتخلص دراسة حديثة إلى أن عدد حالات الملاريا في السودان يرتبط على نحو كبير بدرجة الحرارة القصوى والرطوبة النسبية وكميات الأمطار.
يتوقع تقرير AFED أن تؤثر الزيادات في درجات الحرارة على صحة الإنسان في المنطقة العربية، وذلك إلى جانب عوامل أخرى تشمل التوزع الجغرافي للأمراض المعدية ونوعية الهواء والماء والغذاء. ومن المرجح أن تزداد معدلات الإصابة بالملاريا، خاصةً في السودان ومصر والمغرب. ومن الطبيعي أن تؤدي زيادة العواصف الرملية إلى زيادة أمراض الجهاز التنفسي.
سينجم عن ارتفاع مستوى سطح البحر على السواحل المصرية وفي منطقة الدلتا تشريد بعض السكان وزيادة مخاطر الإصابة بالاضطرابات العقلية. ونتيجة تغيُّر المناخ، قد تشهد مصر أيضاً زيادةً في الأمراض الطفيلية كالبلهارسيات والليشمانيات والملاريا وغيرها، ويمكن أن تصبح حمى الضنك مشكلة صحية منتشرة ومتوطنة.
أشار التقرير إلى أن البلاغات الوطنية المقدمة من الدول العربية إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ قلّما تتناول الصحة في تقاريرها. ولا يحظى هذا الأمر بالاهتمام الكافي من قبل الباحثين وأصحاب القرار، كما يظهر من التباين في المعلومات المقدمة. لذا ينبغي العمل على إدراج الصحة في البلاغات المناخية الوطنية وحثّ الباحثين على إجراء دراسات تسد الفجوة المعرفية.
أكد وجود نقص في استراتيجيات التكيُّف الإقليمية Regional adaptation strategies التي تستهدف قطاع الصحة في المنطقة العربية، حيث تحتاج معظم الدول إلى خطط تكيُّف وطنية، علماً أن بعضها نفّذ بالفعل تدابير تكيُّف محلية ووطنية مثل مصر والأردن وتونس.
الجدير بالذكر، أن أحدث تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، صدر في كانون الثاني الماضي، بعنوان: The UNEP Adaptation Gap Report 2020 لفت الى ان العالم بحاجة إلى التكيف بشكل أفضل مع تغير المناخ. وحذر من أن العديد من بلدان العالم بحاجة إلى تعزيز تدابير التكيف لمواجهة الآثار المدمرة لتغير المناخ.وقد تحتاج الدول النامية إلى إنفاق 300 مليار دولار سنويًا لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري، والعالم يتجه نحو ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 3 درجات مئوية على الأقل هذا القرن.
يجب أن تكثف عملها بشكل عاجل للتكيف مع الواقع المناخي الجديد أو مواجهة تكاليف وأضرار وخسائر جسيمة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.