عبد النور شرقي يكتب | في فضيلة الحوار

0

الكتابة هي نقاش وحوار، هي تواصل وليست قطيعة. الكتابة تأتي دائما لتفك القيود والاغلال، هي متنفس وممارسة للحرية وعمل على تغيير الواقع الى الافضل. ان تكون الكتابة ناقدة وفاحصة تعبر عن أفق آخر وترقى الى مستوى فكري جلي وواضح فهدا الدي ننتظره منها، هي بالمحصلة نقاش للفكرة من خلال نقدها او دحضها وتقديم بدائل، فتمارس نوع من التجاوز أو الدفع بها الى التطور وتبنيها، هي حق ولا يمكن مصادرته.
في الفكر الإسلامي قديمة وحديثه عرفنا عدة نماذج لكتابات نقدية (حوارات نقاشات جدالات) مع الغزالي (1111-1058) وابن رشد (1126-1198) في الفكر الاسلامي الكلاسيكي فكانت ابرز مناظرة (بغض النظر عن عدم تزامنهما) نتجت عنها عدة كتابات -التهافت وتهافت التهافت، فصل المقال وفيصل التفرقة- وفي عصر النهضة مع فرح انطون ومحمد عبده حول اشكالية العلمانية. وفي وقتنا الحالي مع الجابري وحسن حنفي في حوار المشرق والمغرب رغم اتفاقهما الى حد بعيد حول مسألة العلمانية. كل هده الحوارات -بغض النظر عن مستوى تقارب أفكار المتحاورين او الخلفية الايديولوجية لكل واحد في النظر الى المسالة الواحدة- كانت لها نتائج ايجابية يتركها الحوار عبر التاريخ. يترك لنا هدا السجال الفكري تراكم معرفي وتطور واشتغال على مسائل مهمة متعلقة بالمجتمع. لهدا تجد ان فضيلة الحوار والسجال المعرفي الايجابي هو من يجعل الفكر شغال كما هو الشأن حاليا في الضفة الشمالية للمتوسط والامثلة كثيرة هنا.
نحن بحاجة الى هده الفضيلة الغائبة راهنا أين تجد كل واحد يرى في قوله الكلام الفصل وكل من يخالفه على خطأ. مما جعل “الكل في شتات لا رواق يظلهم ولا مجلس يضمهم” كما قال المفكر طه عبد الرحمن، فتجد كل واحد في برجه يغرد بعيدا يرسم حدودا ويضع نفسه في سياج مغلق لا يناقش ولا يقبل النقاش. هدا هو واقعنا الحالي في جامعاتنا ومؤسساتنا عند رجل الفكر ورجل السياسة، عند رجل الاقتصاد وغيره. فعوض ان يوجه الاختلاف الفكري الوجهة السليمة والصحيحة تجده في أفول وغياب وادا حضر يصبح قضية شخصية تصل الى حد التكفير او العكس اتهامه بالرجعية والاصولية والتصنيف في خانة بعينها عوض ان يقدم لنا هدا السجال مستوى من الوعي واليقظة الفكرية وغزارة التأليف واستشراف المستقبل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.