فاروق عطية يكتب | ألقاب ورثناها وألقاب تداولناها
هناك ألقاب توارثناها منذ أكثر من 1400 عام ونستخدمها بسذاجة دون أن نمحصها أونصحح مفهومها. وأهمها ما نطلقه على مشايخنا الكرام ودعاتنا الأفاضل وننعتهم بالعلماء, وقد آن الأوان لوضع هذا اللقب فى نصابه الصحيح, دون التقليل ممن يحملونه دون استحقاق. وحتى نعى ذلك فعلينا أولا أن نعرّف العلم, ومن ثم العالم حتى يستبين لنا الأمر.
فالعلم كما يراه بعض المفكرين هو مجموعة الحقائق والوقائع والنظريات ومناهج البحث التى تزخر بها المؤلفات العلمية, كما يعرف العلم بأنه نسق المعارف العلمية المتراكمة أو هومجموعة المبادئ والقواعد التى تشرح بعض الظواهر وتوضح العلاقات القائمة بينها. ويضطلع العلم بوظيفة أساسية تتمثل في اكتشاف النظام السائد في هذا الكون وفهم قوانين الطبيعة والحصول على الطرق اللازمة للسيطرة على قوى الطبيعة والتحكم فيها, وذلك عن طريق زيادة قدرة الإنسان على تفسير الأحداث والظواهر والتنبؤ بها وضبطها بملاحظة ورصد الأحداث والظواهر وتصنيفها وتحليلها ووضع الفروض العلمية المختلفة, وإجراء عمليات البحث والتجريب العلمي للوصول إلى قوانين علمية موضوعية عامة وشاملة تفسر هذا النوع والوقائع والأحداث, أى أن العلم يساعد على التنبؤ الصحيح لسير الأحداث والظواهر الطبيعية وغير الطبيعية المنظمة بالقوانين العلمية المكتشفة, مثل التوقع والتنبؤ بموعد الكسوف والخسوف وبمستقبل حالة الطقس وبمستقبل تقلبات الرأي العام سياسياً واجتماعياً إلى غير ذلك من الحالات والأمور التي يمكن التنبؤ العلمي بمستقبلها وذلك بغرض أخذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة ذلك. واستغلال النتائج لخدمة الإنسانية، وبذلك تمكن الإنسان بفضل العلم من التحكم وضبط مسار الأنهار الكبرى ومياه البحار والمحيطات, والتحكم في الجاذبية الأرضية واستغلال ذلك لخدمة البشرية, كما امكن بفضل العلم التحكم في الأمراض والسلوكيات البشرية وضبطها وتوجيهها نحوالخير, وكذلك التحكم فى الفضاء الخارجى واستغلاله لخدمة الإنسانية جمعاء. و بتعريف أكثر تحديدًا العِلْـمُ هو منظومة من المعارف المتناسقة التي يعتمد في تحصيلها على المنهج العلمي دون سواه أو مجموعة المفاهيم المترابطة التي نبحث عنها ونتوصل إليها بواسطة هذه الطريقة.
والعالم هو ذلك الشخص الذى يشتغل بالبحث العلمى بمجالاته المختلفة والقائم بالبحوث المعملية والمختبرية لفحص وتمحيص المظاهر والظواهر وتجميعها فى فروض يقوم ببحثها والتحقق من صدقها حتى يصل لثبوت النظريات العلمية. وقد يشتغل العالم بتمحيص بعض النظريات السائدة لإثبات صدقها أو فشلها. وتنحصر خطوات البحث العلمى فى: التحديد العام للمشكلة, الجمع الاولي للبيانات (الدراسات السابقة و المقابلات), تعريف المشكلة (توضيح المشكلة بدقة ), وضع الاطار النظري (تحديد التغيرات الؤثرة في المشكلة بوضوح ), استنباط و تنمية الفروض, التصميم العلمي للبحث, تجميع البيانات و تحليلها و شرحها, الاستقراء ( اختبار صحة الفروض وإجابة سؤال البحث ). نعـم لا, كتابة تقرير البحث, عرض تقرير البحث, وفى النهاية إتخاد القرار النهائى بإجراء البحث.
أما الدعاة أوما يطلق عليهم العلماء: هم كل من تتوفر فيه عوامل التأهيل والتكليف الشرعي والقائم على إيصال الدين الإسلامي إلى الناس كافة. ويرى فضيلة الشيخ عبد الرب نواب الدين أهم صفات الداعية هي: التزام الداعية بما يدعو إليه, الإخلاص لله عز وجل في الدعوة, التأسي بالرسول (ص) في الدعوة, أن يكون الداعية على بصيرة, الصبر وتحمل المشاق في سبيل الدعوة إلى الله تعالى, الصدق في القول والعمل. وهذه الصفات السالفة الذكر يندرج تحت كل منها الصفات الحميدة كالعفة والأمانة والإيثار والرفق و الحلم والحياء وسعة الأفق وسلامة الطوية والنزاهة والعدل والأناة إلى غير ذلك من الصفات الجليلة التي يحظى بها الأخيار المتقون.
ولكن لماذا يطلق على الدعاة أنهم علماء؟ كان عرب الجاهلية قبل الإسلام لا يتقنون غير فنون الشعر من نسيب وغزل وحدى الإبل والفخر والهجاء, ولم يشغلهم فى صحرائهم القاحلة غير البحث عن أماكن الكلأ والمياه. وعند ظهور الإسلام, كان شغلهم الشاغل هو تفسير القرآن وتمحيص الأحاديث. وكانوا يسمون هذا الجهد علما والقائمين به هم العلماء. بدأ نشاط علم الكلام (علم أصول الدين) فى العصر الأموى وكان أشهرهم أربعة وللأسف جميعهم قتلوا ذبحا وصلبا, وهم على الترتيب معبد الحهنى,غيلان الدمشقى, الجعد بن درهم, وآخرهم الجهم بن صفوان. قتلوا لخروجهم على سلطة الحاكم ونفيهم للجبرية التى يتخذها الحاكم مسوغا لحكمه. كما اتهموا بالزندقة وإطلق عليهم المعطّلِة أى منكرى الصفات الإلهية لتأكيدهم بأن القرآن مخلوق وأن الله تعالى هو وحده المنفرد بالقدم وما سواه حادث, أى أن العالَم والمخلوقات من إنس وحيوان والقرآن كلها مخلوقات محدِثات. واستمر علم الكلام فى النمو والازدهار على أيدى المعتزلة والأشعرية والخوارج والمتصوفة وغيرهم, وكان يطلق على مشايخ هذه الجماعات بالعلماء. حتى جاء العصر العباسى وانفتحت فيه آفاق علم الكلام ونقل فلسفات أرسطو وأفلاطون وغيرهم من فلاسفة اليونان, كما تطورت الفلسفة على أيدى بعض العرب المستعربة إلى ريادة علمية فى مجالات الكيمياء والجبر والهندسة والطب والفلك والبصريات أمثال إبن حيان والخوارزمى ولفارابى وابن النفيس وابن الهيثم وغيرهم. وكان لا يطلق على القائمين بهذه الأعمال علماء لذلك الجهد بل لأنهم أيضا متفقهون فى القرآن والسنة. واستمر الحال حتى انزوى الفكر العربى تحت وطأة التخلف بعد انقضاء العصر العياسى خاصة فى عصر المماليك والخلافة العثمانية, حيث ساد الجهل واعتبار العلوم كالكيمياء والفيزياء والحساب والموسيقى بأنها علوم دونية لا لزوم لها والعلم السائد فقط هوعلم الشريعة والفقه والحديث. واستمر الحال حتى عصر التنوير بقدوم محمدعلى باشا على سدة الحكم فى مصر وبانتهاء الخلافة العثمانية ودخول الاستعمار للدول العربية. وما زلنا حتى الآن نطلق على من يحفظ بعضا من القرآن والحديث حتى لو كان جاهلا وبدون ثقافة بأنهم العلماء.
لمجرد المقارنة البريئة بين علماء أفادوا الإنسانية ودفعوها للأمام على سلم التقدم الإنسانى فى مجالات الحياة المختلفة كالطب والجاذبية والذرّة والنسيبة والفيمتوثانية نذكر على سبيل المثال لا الحصر العلماء أمثال لويس باستير ووليم هارفى وإلكسندر فليمنج وديفيد كوتليب واسحق نيوتن والبرت أينشتين ومصطفى مشرفة وأحمد زويل, مقارنة بمن يسمون أنفسهم بعلماء وعادوا بنا لغياهب العصور الوسطى بفتاويهم المضللة كفائدة الجهاد الذى به نجلب السبايا من جوارى وغلمان نبيعها فى سوق النخاسة ونملأ جيوبنا بالدنانير, وحتى تكون الخلوة شرعية إجازة إرضاع الكبير وصولا للتداوى ببول البعير وتحليل البول السكرى بامتصاص الزوجات له من العضوالذكرى لزوجها, ونكاح الوداع وآخرها جهاد المناكحة, من أمثال علماء الغبرة الأفذاذ أبو إسحاق الحوينى وأبو إسلام وعبد الله بدر وياسر برهامى ووجدى غنيم ومحمد حسن يغقوب ومحمود شعبان الشهير بهاتولى راجل. وشتان بين علماء وعلماء..!!
وهناك فرع آخر نسوى هن العوالم ولا أدرى ما صلتهن بالعلم إلا إذا كان هز الوسط ورج البطن وإثارة الغرائز من العلوم المجهولة. وأشهرن بالمحروسة فى القرنين التاسع عشر والعشؤين هما شفيقة القبطية (1851-1926) التى تتلمذت على يدى العالمة المشهورة شوق التى رقصت فى حفل افتتاح قنال السويس وتكريم الإمبراطورة أوجينى, وبمبة كشر(1860-1930). وجاء بعدهما العديد من العوالم لم ينلن شهرتهما أمثال زوبة الكلوباتية ومعتوقة وزهرة العربية ونفوسة غرام وأنيسة المصرية وأختها نبوية.
ولمجرد المقارنة البريئة بين عالمات أثرين البشرية بالاكتشافات وأنرين درب الحياة بما قدمن من بحوث فى شتى الميادين, منهن على سبيل المثال لا الحصر مارى كورى الحاصلة على جائزتى نوبل لاكتشافها عنصرين مشعين جديدين, أنيتا روبرتس عالمة البيولوجى وكان لها الفضل فى اكتشاف البروتين(تى جى إف- بيتا) المساعد فى علاج السؤطان وشفاء الجروح, آنى إيزلى وهى متخصصة فى علم الحاسوب ولها إسهامات فى عالم الفضاء, وغيرهن الكثير من العالمات اللاتى أسهمن فى تقدم البشرية, وشتان بينهن وبين عالماتنا المتخصصات فى هز الأرداف وتلعيب الحواجب..!!
ومن الألقاب التى نتداولها ونصف بها من لايستحقونها المعلم والمهندس.. نحن نعلم دور المعلم الحقيقى سيان المعلم فى المراحل التعليمية المختلفة أوالمعلم الجامعى ونكِن لهم عطيم الاحترام والتقدير لدرجة قولنا: من علمنى حرفا صرت له عبدا, وكما قال أمير الشاعراء: قف للمعلم واوفيه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا. ولكن هناك فئات أخرى نطلق عليهم المعلمين, القهوجى معلم, تاجر المخدرات معلم, أى صاحب مهنة حتى لو كان قوادا فهو معلم, وشتان بين معلم يربى الأجيال ومعلم يفسد الأخلاق ..!!. ولقب مهندس الذى يستحقه من تعب وتعلم وتخرج من كليات الهندسة بكل بساطة نطلقه على سواق التاكسى والميكانيكى وسمكرى وابور الجاز, وشتان بين مهندس ومهندس. وأعتقد أنه قد آن الأوان أن نسمى الأشياء بمسمياتها ولا نتجاوز.