محمد عبد الكريم يوسف يكتب | الاقتصاد الموازي في الميزان
يُقصد بالاقتصاد الموازي ذلك الاقتصاد غير المدرج في الناتج المحلي والدخل القومي والذي لا يقع كلياً تحت مظلة الدولة مثل الأعمال الحرفية البسيطة مثل الحراثة والزراعة وجني المحاصيل والصناعات الحرفية الصغيرة ، فالسباك مثلاً يتقاضى أجراً غير مدرج في أي حسابات و لا يدفع ضرائب على الأعمال التي يقوم بها، وليس له محل تجاري محدد بل يستدعى لإنجاز إصلاحات في البيت وقد يكون موظفاً في إحدى الجهات العامة أو الخاصة وبالتالي يكون غير معروف رسميا لكنه موثوق شعبيا، وكثير من هذه الأعمال مثل المقاولات والصيانة ويتطور البعض ويقيم الصناعات الصغيرة في بعض الأماكن النائية وتكون غير خاضعة لأي نوع من الرقابة وضبط الجودة وتحقيق المواصفات ، وتحقق دخولاً مرتفعة وهذه الظاهرة تنتشر في الدول النامية والفقيرة التي لا توجد فيها رقابة قوية للدولة. ويوجد الكثير من الامثلة مثل تربية الدواجن والاغنام في الأرياف والمدن الصغيرة ومتمماتها من حليب و ألبان وأجبان التي لا تخضع لرقابة الدولة فهي تمثل مصدر الدخل الوحيد لكثير من العائلات، وتساند الاقتصاد الوطني وتحافظ على التوازن في أسعار السوق رغم أنها غير مسجلة في بيانات الدولة إلا تقديرياً.
وقد كان العالم الاقتصادي بيتر غوتمان أول من اشار إلى الاقتصاد الموازي وأسماه الاقتصاد السفلي Subterranean Economy عام 1977 من القرن العشرين.
أقسام الاقتصاد الموازي: يقسم الاقتصاد الموازي إلى عدة أقسام منها:
الاقتصاد الموازي المشروع مثل الأعمال الصغيرة والحرف البسيطة التي تجري بين الناس وفق الأعراف والتقاليد مثل تجارة الزيت والزيتون ، الحرير ، الصيانة ، أعمال التصليح والاصلاح وغيرها .
الاقتصاد الموازي غير المشروع مثل الأعمال التي تخالف الأنظمة والقوانين كالإتجار بالأسلحة والممنوعات .
الاقتصاد الموازي الخفي مثل تجارة المخدرات والنخاسة والبشر وأعمال التهريب وغسيل الأموال.
الأنشطة الاقتصادية المشروعة ولكن غير المصرح عنها مثل الورش والحرف المنزلية والمشاريع التنموية الصغيرة وباعة الأرصفة .
الأنشطة الاقتصادية القانونية المرخصة ولكنها تتضمن في جزء منها غير معلن عنه مثل عمليات التصنيع والانتاج والعمالة غير المسجلة في السجلات الرسمية
لماذا ينتشر الاقتصاد الموازي؟ ينتشر الاقتصاد الموازي في المجتمعات لأسباب عديدة منها :
الفساد المؤسساتي والمجتمعي .
الروتين والتعقيدات الحكومية .
عدم امكانية التغطية الإحصائية لأنشطة الاقتصاد الخفي .
ضعف الرؤية والامكانية الحكومية .
الحروب.
ضرورات أمنية وعسكرية .
عوامل اقتصادية .
عوامل إدارية .
عوامل سياسية .
الاقتصاد الموازي عالميًا:
تشير الدراسات الاقتصادية إلى أن حجم الاقتصاد الموازي يبلغ أكَثر من 30% من الناتج المحلى الإجمالي للدول النامية، وأن هناك 70 % من عمالها خارج الاقتصاد الرسمي.
برامج صندوق النقد الدولي والاقتصاد الموازي: تشير دراسة حديثة لجامعة “هارفارد” إلى جانب سلبي للصندوق لم يتطرق له أحد وهو نمو الاقتصاد الموازي في الدول التي تنفذ برامج صندوق النقد الدولي فيها . وأجرت الدراسة تحليلا للبيانات الاقتصادية الصادرة عن 145 دولة خلال 42 عاماً، كي تصل إلى نتيجة مفادها أن هناك ارتباطاً قوياً للغاية بين تطبيق الدول لبرامج صندوق النقد الدولي، وزيادة حجم الاقتصاد الموازي في تلك الدول. وقامت الدراسة بتحييد العوامل الأخرى المؤثرة على نمو الاقتصاد الموازي، ومنها معدلات النمو والتضخم ودرجة الحكم الديموقراطي وطبيعة هيكل توزيع الدخل وقوانين الاستثمار، ليكون التأثير محصوراً فقط في برامج صندوق النقد وتأثيراتها على الاقتصاد. وقدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (عام 2009) حجم الاقتصاد الموازي في العالم بحوالي 10 تريليونات دولار، ويعمل به 1.8 مليار شخص، قبل أن يتزايد حجمه في عام 2020، ليصل إلى 18.5 تريليون دولار، ويعمل به 3.2 مليار شخص. وترتبط تلك الزيادة، وفقاً لدراسة جامعة “هارفارد”، بما يفرضه الصندوق من تقليص لحجم الأعمال في القطاع العام، مما يؤدي إلى تسريح نسبة كبيرة من العمالة إلى السوق لتجد القطاع الخاص غير مهيأ لاستقبالها، وتضطر إلى الالتحاق بسوق العمل الموازي بما يؤدي إلى نموه وتطوره.