عبد الله تركماني يكتب | جدل الموارد والتنمية والديمقراطية
حقوق الإنسان لا تقبل التجزئة، وإنما هي حزمة متكاملة، اتسعت دائرتها خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة لتشمل حقوق جديدة، مثل: الحق في التنمية، التي لم تعد نموًا اقتصاديًا فحسب، بل تشمل أبعادًا أخري اجتماعية وثقافية وسياسية، كما أنها تحتاج لمشاركة الجمهور فيها.
إنّ الربط بين التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وضع على الدولة مسؤوليات وأعباء جديدة، مثل: الحق في السكن والتعليم والعمل والعلاج، والحق في حياة كريمة للمواطنين، تعتمد التعددية الفكرية والسياسية والحق في الاختلاف وتمفصل السلطات.
إنّ العلاقة بين التنمية والديموقراطية تمثل مسارًا ذا اتجاهين، بمعني أنّ الديموقراطية توفر آليات ومؤسسات من شأنها أن تمكّن من تحقيق تنمية حقيقية وذات وجه إنساني، وأنّ تقدم المسيرة التنموية من شأنه أن يخلق الظروف الموضوعية والمناخ الملائم لترسيخ الممارسات الديموقراطية في المجتمع.
من أجل تأكيد صحة هذه المقولة يجدر بنا إدراك دور الديموقراطية في توفير الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتحقيق العدالة في ثمار التنمية، وترشيد السياسات الاقتصادية، وتنمية الموارد البشرية، وتعبئة طاقات المواطنين، وضمان الاستخدام الأفضل للموارد الاقتصادية والبشرية، وتحسين أداء الأجهزة الحكومية والمؤسسات الاقتصادية، والكشف عن جوانب الخلل والقصور ومواطن الفساد والانحراف.
ولكي ندرك عمق العلاقة بين التنمية والديموقراطية فإنه لابد أن نتطرق إلي أهمية العنصر البشري في عملية التنمية، وإلي التأثير البالغ الذي تحدثه الديموقراطية لتطوير قدرات هذا العنصر وتفعيل دوره في عملية التنمية. إذ أنّ الإنسان هو العامل الحاسم والمحرك في عملية التنمية، فبقدر ما تتاح له الفرص لتطوير القدرات الكامنة فيه، وبقدر ما تتوفر له الحوافز لتوظيف هذه الطاقات في الأوجه الصحيحة بقدر ما يتمكن من استخدام الموارد المتاحة لتحقيق تنمية حقيقية وذات أبعاد إنسانية. من هنا تأتي أهمية الديموقراطية، فهي بإفساحها المجال أمام المواطنين للمشاركة في صنع القرار تمكّن من وضع الحاجات الإنسانية في مقدمة أولويات عملية التنمية. ولا حاجة إلي القول بأنّ تلبية هذه الحاجات من شأنها أن تعمل على تطوير قدرات المواطن وتوسيع الخيارات أمامه على نحو يساعده على تحقيق ذاته، وإطلاق طاقات الخلق والإبداع الكامنة فيه.
إنّ إدراك المواطن بأنّ فرص التقدم مفتوحة أمامه، وأنّ تقدمه مرهون بعمله دون أي اعتبار آخر، وثقته بأنّ ثمار عمله ستعود عليه، سوف يدفعه إلي السعي – دون كلل – لاكتساب المزيد من المعارف والمهارات وبذل المزيد من الجهد في العمل.
علي أنّ عملية التنمية لا تتأثر بالديموقراطية فحسب، بل تؤثر فيها أيضًا. فالعلاقة بين التنمية والديموقراطية ذات طبيعة جدلية، وتنطوي على تأثير متبادل، فكما أنّ الديموقراطية توفر الإطار المحفز للتنمية، كذلك فإنّ التنمية تخلق القاعدة المادية والمناخ الملائم لتطور الديموقراطية. فالتنمية، باعتبارها توسيع للفرص، تتيح للمواطن الارتقاء بمعارفه ومهاراته وتطوير قدراته، واختيار العمل الذي يجد فيه ذاته ويحقق له دخلًا يكفل له حياة كريمة، وينمي لديه الإحساس بالمسؤولية تجاهه، ويعزز اقتناعه بضرورة الاعتماد على الحوار والتواصل في التعامل مع القضايا العامة، الأمر الذي يخلق مناخا ملائما لمعالجة المشاكل الاجتماعية والسياسية بالطرق السلمية. وكلما خطت التنمية ذات البعد الإنساني شوطًا في مسارها، كلما توطد الاستقرار في المجتمع وترسخت بالتالي التجربة الديموقراطية.
بيد أنه من الخطأ الاعتقاد بأنّ التنمية تقود إلي الديموقراطية بشكل آلي وحتمي، فالتنمية تُفرز في أثناء التنفيذ عددًا من المشاكل والصعوبات يمكن أن تهدد العملية الديموقراطية ما لم تتضافر جهود المواطنين والدولة لحلها بطريقة سلمية تعتمد على الحوار والتواصل، وتنطلق من الإحساس بالمسؤولية المشتركة والإدراك بضرورة التعاون للتعامل معها.