مجدي عبد الهادي يكتب | الاقتصاد المصري في نصف قرن (1)
مقدمة الترجمة العربية لكتاب الاقتصاد المصري في نصف قرن للكاتب خالد إكرام.. هو قطعًا ليس الأول من نوعه ولا الوحيد في موضوعه، ، لكنه ربما كان أشمل ما صدر حتى تاريخه في تحليل، لا مجرد عرض ووصف، تاريخ الاقتصاد المصري في النصف الثاني من القرن العشرين، ولعلّ هذه أولى مزاياه، فإلى جانب الموضوعية النسبية والانضباط المنهجي، لم يغطّ عمل واحد في حدود علمنا كل هذه الفترة؛ ما يجعله مرجعًا لا غنى عنه للباحث المتخصص والقارئ العام المهتم على حد سواء.
مما يميّزه كذلك ويزيد أهميته، اشتباك مؤلفه العملي مع واقع الاقتصاد المصري، خلال فترة عمله كمدير لمكتب البنك الدولي بمصر؛ ما وفّر له إمكانية تحليله من موقع “المراقب – المشارك” على حد وصفه، ما يجعل كتابه أكثر من مجرد بحث أكاديمي غارق في الأرقام، دون تماسّ مع خلفياتها أو معرفًة بكواليس الإدارة الاقتصادية والسياسية، مما يفتقده غالبًا أي أكاديميين لم تُتح له هذه الفرصة النادرة نسبيًا.
تتجلّى شمولية العمل وعمقه معًا في طريقة تقسيمه المصفوفية لموضوعاته المُتسلسلة منطقيًا، فبعد عرض عام للتطورات الاقتصادية العامة واتجاهات السياسات الاقتصادية، بتغيّراتها وتحوّلاتها عبر الفترة، في ثلاثة فصول اختصّ كلُ منها بفترة جزئية مثّلت مرحلًة مختلفًة إلى حد ما في توجّهاتها العامة وسياساتها التفصيلية، انتقل المؤلف للأبعاد العضوية والوجوه النوعية المختلفة للاقتصاد القومي في ستة فصول، بدأها بفصل عام عن اتجاهات النمو والإنتاجية العامة والتغيّر الهيكلي للاقتصاد، ثم خصّص فصلاً لكل من هذه الأبعاد والوجوه، من قطاع خارجي ومالية عامة وسوق نقدي ومالي وسوق عمل وفقر وتوزيع دخل، لينهي بفصل حول المستقبل، طرح فيه خطوطًا عامة للتنمية المُستدامة في مصر، مناقشًا عديدًا من قضاياها الاستراتيجية والمؤسسية.
لا تهدف هذه المقدمة لعرض أو تلخيص العمل، فهو واضح بما يكفي لقراءته مباشرًة، بل تحاول تقديم تغطية شديدة الإيجاز لما لم يغطّه الكتاب تاريخيًا، والأهم تحليليًا، من صورة أعمّ لتطور الاقتصاد المصري بالمنظور البنيوي التاريخي، الأوسع نظرًة من المنظور النيوكلاسيكي الذي يتبنّاه الكتاب، والذي لا يعطي صورًة للقصة الكلية للاقتصاد المعني في مسار تطوره التاريخي العام، أي ما يمكن وصفه بمنطق تطوّره، لا مجرد صيرورة ذلك التطور!
لهذا لا نرّكز على الأحداث والتطورات التفصيلية، بل نناقش محطات التحوّل الرئيسية والمُكونات التحتية الأكثر تجذّرًا من بُنى موروثة ومُحرّكات سياسات واتجاهات تطوّر هيكلي، وكيف تفاعلت لتنتج معًا ما نراه من تجليّات للعجز التنموي وظواهر اقتصادية كليّة مما يناقشه الكتاب تفصيلاً في مواضعه، ولماذا تعثّرت، ولازالت تتعثّر، كلٌ من الاشتراكية والليبرالية في مصر، تاركين للقارئ استنتاج الأبعاد العامة للعجز التنموي المصري وحلوله! خلال المقالات القادمة سوف نتعرض لتلخيص هذا الكتاب المهم.