صدر عام 2007 كتاب بعنوان “البجعة السوداء” للفيلسوف الأمريكي اللبناني نسيم طالب تحدث فيه عن محاولة تعزيز القوى العقلية والنفسية والأفكار نحو الأحداث السلبية بل والاستفادة منها وأن التفكير الإيجابي عند الازمات يتولد نتيجة الإيمان المسبق بأنه لا يوجد شيء محصن وغير متوقع حدوثه ولكن من الممكن أن تتحول البجعة السوداء الى بيضاء يومًا ما.
إن الأزمة الاقتصادية العالمية التي جاءت نتيجة تراكمات أزمة كورونا والحرب الروسية الاوكرانية هي أزمة شديدة العمق والأخطر انه من المتوقع أن تمتد إلى قرابة العامين أو أكثر. هذه الأزمة هي السبب الرئيسي في ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة والمواد الخام الأولية. هنا يتحرك البنك الفيدرالي في الولايات المتحدة الامريكية ويقوم برفع معدل سعر الفائدة مما يترتب عليه آثار سلبية على البورصات والأسواق العالمية وما هو مثير للقلق كون أن تلك الزيادة لا تُعد الأخيرة ولكن هناك تنبؤات بأن سعر الفائدة سيصل آخر العام إلى 6%. ومن المتوقع أيضًا أن تقوم دول اخرى بالفعل ذاته إلى جانب بعض الاجراءات الخاصة بترشيد الاستهلاك أملًا منها في كبح جماح التضخم العالمي.
ولكن أين الفرصة التي يمكن أن تتولد من هذه الأزمة؟
هناك بعض الدروس المستفادة التي يمكن أن تنتج عنها العديد من الفرص، وهي أنه بالفعل سيتم التركيز بشكل كبير على التصنيع المحلي في أغلب الأسواق والتخلي عن الاعتماد الكامل على سلاسل الإمداد حيث أن الشركات العالمية كانت تلجأ إلى التنوع في مصادر الإنتاج والتخزين والتوزيع لتيسير وترشيد الإنفاق والالتزام وتحقيق تنافس شرس. وهذا بالطبع كان يمثل ضغطًا شديدًا على الأسواق المحلية التي غالبًا ما تنهار أمام الاقتصاد القوى العنيف للشركات العالمية. ولكن من المهم أن يتم استغلال هذه الفرص وتأسيس توازن جديد قائم على أسس أكثر صلابة.
من أهم الفرص المنتظر الحصول عليها هي تحفيز الابتكار والتطوير، ففي ظل الضغوط المصاحبة للكوارث والأزمات تتولد طاقات ضخمه للابتكار والتطوير لمواجهه المشكلات والحد من الخسائر، وبالرجوع إلى تاريخ الحرب العالمية الثانية نجد أن العديد من الابتكارات في المجالات العسكرية على سبيل المثال وجدت طريقها للحياة المدنية بعد انتهاء الحرب. ونجد أن التطوير التكنولوجي في العامين السابقين والتوجه نحو الاقتصاد التشاركي والتوسع في العمل والتعليم عن بعد هم نتاج لأزمة جائحه كورونا العالمية.
واخيرًا يجب ان نتوقف تمامًا عن الانخراط في التحليلات السلبية للأزمات وإنكار وجود أي أمل في الخروج منها بأقل الخسائر بل يجب أن نتطلع بإيجابية إلى واقع جديد وتحقيق قدر من المكاسب وتقليل الخسائر المتوقعة ونؤمن انه يمكن أن تكون هناك بجعه سوداء في مكان ما ويومًا ما
* راجيه الفقي، عضو مجلس الشيوخ، عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين.
