مجدي عبد الهادي يكتب | الاقتصاد المصري في نصف قرن (4)
اليوم نتساءل: لماذا اتجهت يوليو للاشتراكية العربية؟ أدركت يوليو أن العجز عن التصنيع كان هو جوهر حالة العجز الاقتصادي والتخلّف الاجتماعي لمصر، إنه الرافد الأصل لكافة الفروع/المشاكل، كما هو عصا موسى التي يمكن أن تلقم كل الأفاعي في الوقت ذاته، إنه الضرورة التاريخية التي لا تعدوها ضرورةً أخرى، والتي كان غيابها السبب الأساسي الحقيقي لانهيار الملكية شبه الإقطاعية العاجزة عن إنجازها.
هكذا قضت ثورة يوليو ثمانية أعوام تدعو رجال الأعمال المصريين للتصنيع دونما استجابة جوهرية، فبدأت تؤسس العديد من الهيئات لهذا الغرض واستفادت من التمصير وغيره لبناء قطاع عام يدفع لتنمية الصناعة، مُحاولةً في كل ذلك تشجيع الصناعة بعمل مشترك بين القطاعين العام والخاص، ما دام القطاع الخاص وحده عاجز وراغب عن الاتجاه إليها.
تكشف محاولات يوليو عبر ثمانية أعوام اجتذاب رأس المال الخاص لمزيد من التصنيع، بل وتركها مساحةً له حتى بعد التأميم، عن الدافع الحقيقي لإجراءات التأميم نفسها، فلم تكن الإيديولوجيا، أي الاشتراكية هى الدافع له، بل كانت حتمية قيادة الدولة للاقتصاد التابع مفتوح الأحشاء على الخارج وضرورة هيمنتها على الفائض الاقتصادي المُهدر والحاجة لتوجيه الاستثمارات للتصنيع، إنها ضرورة الإنتاج لا الرغبة في العدالة، التصنيع لا الاشتراكية.