ماجد أحمد الزاملي يكتب | إدارة الأزمات وتخفيف تداعياتها (3)

0

قد ترتكب المنظمات المستهدفة للأزمات خطًا جسيمًا بالتركيز على العمليات الداخلية بتجاهل تأثير الأزمة على الأطراف الخارجية أو تهتم بذلك في وقت متأخر، وعادة ما ينتاب الجماعة التي تعمل في هذه المرحلة شيء من الحماس الزائد، حيث تتكاتف الجماعة وتتماسك في مواجهة خطر محدد ومهمة أكثر تحديدًا. على المستوى المحلي، لذلك يلزم اتخاذ كل الاحتياجات والإجراءات الأمنية لعلاجها، فالمطلوب منا السرعة في الاتصال والاهتمام بها حتى لا ينتج عنها أمور من الصعب السيطرة عليها، أو تصيب أفرادا ضحايا أبرياء، أو تدمير المنشآت العامة للدولة وإرباك الموارد المحلية، ففي هذه الحالات وجب التصرف بالطرق السليمة المبنية على مبادئ إدارية سليمة، وتدخل الحكومة وغيرها من الهيئات الرسمية في الدولة لمواجهتها وحلها.
من نتائج وقوع الأزمات – بعد مرحلة انفجارها يقع على عاتق إدارة الأزمات مهمة تخفيف الأضرار التي لحقت بسمعة الدولة أو المؤسسة أو الهيئة والسعي لإعادة الوضع إلى طبيعته واستخدام وسائل الإعلام للدفاع وشرح الأوضاع عن المواقف التي مرت وسببت هذه الأزمة نظريا وعمليا وتزويد رجال الإعلام بالمعلومات الموضوعية والدقيقة والصحيحة عن الأزمة بهدف تصحيح المفاهيم التي تلقاها الرأي العام المحلي أو الدولي عبر وسائل الإعلام الدولية. ويمكن إعطاء المعلومات الواقعية المملوءة بالمصداقية بدون تعتيم إعلامي عن القضايا والأزمات.
باستثناء أزمات الطبيعة مثل الزلازل والعواصف، والبراكين، وحرائق الغابات الناجمة عن الصواعق.. الخ، هي فعل أو رد فعل إنساني؛ فعل يهدف إلى توقف، أو انقطاع نشاط من الأنشطة، أو زعزعة استقرار وضع من الأوضاع، بهدف إحداث تغيير في هذا النشاط، أو الوضع لصالح مدبرة، ومن قبيل ذلك سعي العاملين في مشروع اقتصادي ما إلى الإضراب عن العمل، من أجل زيادة أجورهم، أو المشاركة بنسبة في الأرباح، أو تكوين نقابة خاصة بهم، أو خفض ساعات العمل أو الحصول على غير ذلك من مزايا عينية وتسهيلات، أو محاولة رب العمل من جانبه طرد بعض المحرضين على الإضراب، بهدف تحقيق الانضباط. وقد تفلح محاولة أي من هذين الفريقين (العمال أو أرباب الأعمال)، وهنا يقال إن تسبب أيهما في خلق “الأزمة”، ونجاح محاولته للإدارة بالأزمات وقد تفشل مثل هذه المحاولة، فيصبح فاعل الأزمة وقد أدخل نفسه في مأزق حقيقي. وتمثل محاولاته للخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر الممكنة لإدارة الأزمة، فإذا فشل الإضراب مثلًا في تحقيق أهدافه، ونجحت جهود المحرضين عليه في إقناع صاحب العمل بمجازاتهم في تحقيق أهدافه، ونجحت جهود المحرضين عليه في إقناع صاحب العمل بمجازاتهم بخصم بضعة أيام من أجورهم بدلًا من فصلهم، فإن ذلك في حد ذاته يمثل إنجازًا لهم في تحجيم خسائرهم، أو نجاحًا في إدارتهم للأزمة. كما أنه على الرغم من أن النتيجة المفترضة نظريًا لتقاطع هذين الأسلوبين، أو للتفاعل القائم بينهما، هو أن يحقق أحدهما قدرًا من المكاسب يعادل ما يتكبده الطرف الآخر من خسائر، إلا أن الواقع العملي لا يحتمل دائمًا مكسبًا كليًا مقابل خسارة تامة، وإنما يحقق كل من الطرفين قدرًا من المكاسب والخسائر المزدوجة. ومن هنا يطلق البعض على الإدارة بالأزمات علم صناعة الأزمة للتحكم والسيطرة على الآخرين. والأزمة المصنوعة المخلقة، لها مواصفات حتى تبدو حقيقية، وحتى تؤتي ثمارها، وأهم مواصفاتها هي الإعداد المبكر، وتهيئة الازمة، وتوزيع الأدوار على قوى صنع الأزمة، واختيار التوقيت المناسب لتفجيرها، وإيجاد المبرر والذريعة لهذا التفجير. وللأزمة المختلقة تلاحق وتبعات، وتراكم الإفرازات والنتائج، وكل منها تصب في سبيل تحقيق الهدف المراد الوصول إليه، فلكل أزمة مصنوعة هدف يتعين أن تصل إليه، وبدون تحقيق هذا الهدف لن يتلاشى الضغط للازمة، أو يخف التأثير العنيف لإفرازات الأزمة، وكذلك لن تهدأ قوى صنع الأزمة أو تتراجع حتى تحقيق هذا الهدف.
الأزمة الاقتصادية فتعرّف بأنها اضطراب فجائي يطرأ على التوازن الاقتصادي في بلد ما أو عدة بلدان، وهي تطلق بصفة خاصة على الاضطراب الناشئ عن اختلال التوازن بين الإنتاج والاستهلاك، أو هي مرحلة أو طور انحدار الإنتاج في حركة الرأسمال الدورية، والتي تعبّر أيضًا عن التناقضات الداخلية للرأسمالية في الحقل الاقتصادي. وفي العصر الحديث انفجرت أول أزمة خفض إنتاج ذات صفة دورية واضحة في إنجلترا عام 1825. وأدت هذه الأزمة إلى تقليص الإنتاج، وحدثت إفلاسات كثيرة، إضافة الى أزمة تسليف ونقد، وتراجع التصدير، وانتشرت البطالة والفقر. أعنف أزمة حدثت في القرن العشرين فهي أزمة 1929 – 1933 التي هزت العالم، وكانت لها سمعة مدوية، وتلتها أزمة 1974 – 1975 التي أعلنت ولادة مرحلة جديدة من مراحل تطور الرأسمالية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.