ميثاق بيات الضيفي يكتب | استراتيجية الرياضة الناعمة (1)
تُفهم “القوة الناعمة” في كثير من الأحيان على أنها القدرة على تحقيق الأهداف في مجال السياسة الخارجية عن طريق إقناع واجتذاب التعاطف من الجهات الفاعلة الأخرى والقدرة على تحقيق المطلوب على أساس المشاركة الطوعية للحلفاء وذلك باستخدام الجاذبية وليس الاعتمادات، وهي بهذا تمثل قوة جاذبية النموذج الاقتصادي والسياسي والثقافة والتعليم والإنجازات العلمية والتكنولوجية وإن أحد العناصر الهيكلية الهامة في “القوة الناعمة” ودبلوماسيتها العامة هي بلا شك الرياضة, التي تؤدي كظاهرة ذات نطاق عالمي العديد من الوظائف الاجتماعية والسياسية كنشر أساليب الحياة الصحية وذلك أمر مهم للغاية بالنسبة للاقتصاد وللقدرة الدفاعية لأي قوة والعمل على ايجاد وظائف لتعليم وعمل جيل الشباب وتنشئته الاجتماعية وتطوير الشعور بالوطنية والصفات الأخلاقية والمشاركة في العمليات الاجتماعية وان المساهمة بالنجاح الرياضي للدولة ككل يساهم هو الاخر في اقناع المواطنين بفكرة صحة الدور التي تنفذها الحكومة.
أصبحت الرياضة بالطبع عاملاً مهماً في السياسة العالمية ففي تشكيل الأجندة الدولية تؤدي الدبلوماسية الرياضية دورا متزايد الأهمية فهي تفعل وتنشط الهياكل الحكومية وغير الحكومية في إطار تنفيذ السياسة الخارجية للدولة عبر تنظيم الأحداث الرياضية الدولية والمشاركة فيها، ولابد إن تكون هناك عملية نشطة لتشكيل دبلوماسية رياضية كتكنولوجيا إنسانية فعالة من ترسانة استراتيجية “القوة الناعمة” القادرة على حل مهام الدولة على الساحة الدولية. وتكتسب الدبلوماسية الرياضية زخماً شعبيا كبيرا مفعلة بعدد من الأسباب الموضوعية كالتغييرات الكبيرة في الدبلوماسية التقليدية وطرازها الكلاسيكي المنطوي على التفاعل الدولي وتحوله بشكل موضوعي إلى واحد من الأجزاء الرئيسية في العالم الحديث وتزايد عدد المنظمات الرياضية ونشر تأثيرها في الساحة الدولية مما افرز تقاربا بين الرياضة والدبلوماسية من حيث قدرتها على بناء صورة إيجابية عن البلد في الخارج إذ وبفضلها يمكن أن تتغير صورة بلد ما بسرعة كبيرة وسريعة والتي تكون في بعض الأحيان أقل شأنا حتى بالنسبة لنتائج الأعمال الدبلوماسية, وإن جودة تنظيم الأحداث الرياضية الدولية الكبرى ومستوى تدريب الرياضيين ورغبتهم في الفوز والقدرة ليس فقط على الفوز بل في القدرة على مواجهة الهزيمة بشكل كاف وكل ذلك يساهم في تكوين الصورة الإيجابية للدولة.
أن الرياضة لديها القدرة على جمع الناس معا بغض النظر عن الأصل والتعليم ومعتقداتهم الدينية أو الوضع الاقتصادي وتحفز على تنمية التبادل الثقافي والحوار بين الثقافات وتوفر تفاهما دوليا أفضل وتظهر وحدة تطلعات الشعوب لمختلف الدول والقارات، ولذا تعتبر الدبلوماسية الرياضية عنصراً هاماً في استراتيجية “القوة الناعمة”، وبالنظر إلى أن مفهومها له طابع سياسي واضح فإنه ليس من المستغرب أن شعار “الرياضة خارج السياسة” يظل مجرد شعار لأنها أداة قوية في صراع السياسة الخارجية وطريقة التأثير السياسي مع الإمكانات الهائلة والفرص الفريدة, وإن الرياضة أداة قادرة على التعبير عن جوهر العلاقات الدولية والتأثير في نموها فحتى النقاط والأهداف والثواني لها طابع سياسي واعتمادا على نتائج أداء الرياضيين لبلد معين في الساحة الدولية يتم إنشاء فكرة عن الحالة العامة لنظام إدارة الدولة وليس فقط في مجال الرياضة والتي لها تأثير ملموس على السياسة الخارجية للدولة وتشارك في تشكيل صورتها على المسرح العالمي وتشجيع العلامات التجارية الوطنية إذ أن انتصار الرياضيين في المسابقات الدولية الكبرى يسهم في تنمية الدولة ويزيد من سلطتها في العلاقات الدولية، كما وتعتبر الرياضة اليوم ساحة ليس فقط لتعزيز العلامة التجارية وانما أيضا للنضال السياسي. والرياضة هي قناة مهمة للتلاعب فيما يتعلق بمجموعة من الناس الذين يشكلون جزءًا مهمًا من الحياة وترتبط الرياضة الحديثة ارتباطًا وثيقًا بأنشطة مجموعة واسعة من الجهات الحكومية وغير الحكومية ولا يمكن أن توجد رياضة محترفة تماما عن السياسة لأنها تخاطر بفقدان الهدف الرئيسي والخصائص المميزة، ويتم تحديد قيمة البيئة الرياضية للسياسيين والقوى السياسية من خلال معيار الطابع الجماعي للرياضة والتفرع من المنظمات الدولية والإقليمية.