محمود حبيش يكتب | صُنع في مصر .. حلم ثورة يوليو الاقتصادي

0

عزيزي القارئ، في الذكرى الـ٧٠ لثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ نريد أن نستعرض الجانب الاقتصادي من أهداف وتابعات الثورة على الاقتصاد المصري والتحول من النظام الرأسمالي الإقطاعي إلى نظام اشتراكي تديره الدولة، فبين مؤيد ومعارض للاشتراكية وعيوبها كنظام اقتصادي إلا أن ثورة يوليو وضعت حجر الأساس لنشأة الصناعات الوطنية وللشعب المصري والتاريخ الحكم المطلق على التجربة الاشتراكية في مصر.

عاشت ثورة يوليو ثمانية أعوام تدعو رجال الأعمال المصريين للتصنيع دون جدوى، فتبنت الحكومة السياسة الاشتراكية في الاقتصاد فسعت لتأسيس العديد من الهيئات واستفادت من التمصير لتنمية قطاع عام يدفع لتنمية الصناعة، مُحاولة في كل ذلك تشجيع الصناعة بعمل مشترك بين القطاعين العام والخاص، ما دام القطاع الخاص وحده عاجزًا عن الاتجاه إليها.
تكشف محاولات ثورة يوليو عبر ثمانية أعوام اجتذاب رأس المال الخاص لمزيد من التصنيع، بل وتركها مساحة له حتى بعد التأميم عن الدافع الحقيقي لإجراءات التأميم نفسها، فلم تكن الاشتراكية هي الدافع له، بل كانت حتمية قيادة الدولة للاقتصاد التابع للخارج وضرورة هيمنتها على الفائض الاقتصادي المُهدر والحاجة لتوجيه الاستثمارات للتصنيع، إنها ضرورة الإنتاج لا الرغبة في العدالة، التصنيع لا الاشتراكية.
تطورت حركة التصنيع في مصر بعد ثورة 23 يوليو 1952 تطوراً ملحوظاً، فقد كان حلم يوليو الصناعي هو تصنيع كل شيء من “الإبرة إلى الصاروخ” مع اهتمام خاص بالتصنيع العسكري استجابة لروح التحدي العسكرية التي كانت تحيط بمصر فى ذلك الوقت، وأعطيت الأولوية للصناعات الكيماوية والغزل والنسيج والصناعات المعدنية خاصة الحديد والصلب والأسمنت.
تركزت هذه الصناعات الوطنية على الشريط المأهول من وادي النيل في جنوب الصعيد والقاهرة والدلتا والإسكندرية، وأقامت الثورة مصانع الحديد والصلب من أجل تطوير الصناعات الثقيلة، مجمع مصانع الألمونيوم في نجع حمادي، وشركة الأسمدة كيما، ومصانع إطارات السيارات الكاوتشوك، ومصانع عربات السكك الحديدية سيماف، ومصانع الكابلات الكهربائية، وتوليد طاقة كهربائية من السد العالي تستخدم في إدارة المصانع وإنارة المدن والقرى، كما تم بناء المناجم في أسوان والواحات البحرية، وأقيمت المصانع الحربية لسد حاجة الجيش المصري من الأسلحة والذخائر.
كانت نتيجة بناء تلك القلاع الصناعية فتح أبواب العمل أمام الملايين من أبناء مصر في كل المجالات الصناعية والخدمية، وقد بدأ الاهتمام المركز بالصناعة منذ قيام الثورة حيث طرحت مسألة التصنيع كضرورة اقتصادية واجتماعية داعية الرأسمالية المصرية بل والأجنبية أيضا للإقدام على إقامة المشروعات الصناعية، وقامت بإنشاء المجلس القومي للإنتاج في عام 1955 الذي قام بدور المروج للمشروعات الصناعية.
بعد العدوان الثلاثي، شقت الثورة طريق التنمية الاقتصادية المستقلة لبناء اقتصاد وطني حديث يقوم على الصناعة وقامت بإنشاء وزارة الصناعة في يوليو عام 1957 وتم وضع أول برنامج قومي للتصنيع في عام 1957 بلغت تكاليفه الكلية حينئذ 250 مليون جنيه لينفذ على 5 سنوات اختصرت إلى 3 وتضمن البرنامج الكثير من الصناعات الكيماوية، وصناعات مواد البناء وتبعته الصناعات المعدنية والهندسية.
أعلن البنك الدولي في تقريره رقم 870 أن مصر استطاعت عبر تلك الإجراءات تحقيق نسبة نمو من عام 1957 – 1967 بلغت ما يقرب من 7% سنويا، وهذا يعني أن مصر استطاعت في 10 سنوات أن تقوم بتنمية تماثل 4 أضعاف ما استطاعت تحقيقه في الأربعين سنة السابقة على عصر الثورة، نتيجة لا مثيل لها في العالم النامي كله حيث لم يزد معدل النمو السنوي في أكثر بلدانه المستقلة خلال تلك الفترة عن 2.5% بل أن هذه النسبة كان يعز مثيلها في العالم المتقدم باستثناء اليابان، وألمانيا الغربية، ومجموعة الدول الشيوعية، فمثلا إيطاليا وهى دولة صناعية متقدمة ومن الدول الصناعية الكبرى حققت نسبة نمو 4.5% فقط في نفس الفترة الزمنية.
نحن اليوم بعد ٧٠ عام من ثورة يوليو ١٩٥٢ تعود الدولة المصرية إلى طريق التنمية وتحقق معدلات تنمية تعد من الأعلى عالمياً في أصعب الأوقات التي مرت على الاقتصاد العالمي مثل أزمة الكورونا وأزمة الحرب الروسية الاوكرانية وتقود القيادة الحكيمة مصر نحو الجمهورية الجديدة وإحداث ثورة صناعية واقتصادية كُبرى… حفظ الله مصر وجعلها كما تستحق أمة عظمى بين الأمم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.