محمد أيوب يكتب | ثورة يوليو شكلت ضمير الأمة

0

ربما كانت ثورة يوليو تموز هي الضوء الساطع الذي أضاء سماء الأمة العربية بعد نكبة عام 1948 ، وهي الثورة التي تعرضت لتآمر المتآمرين منذ انطلاقتها المجديدة ، فحاول البعض اغتيال جمال عبد الناصر ، وحاول آخرون سرقة الثورة من مفجريها الحقيقيين ، وقد حاصر الغرب هذه الثورة ففرضوا حظرا للسلاح على مصر مما دفع هذه الثورة إلى كسر احتكار السلاح وعقد أول صفقة أسلحة تشيكية سنة 1955 م ، ولما تراجع البنك الدولي عن تقديم قرض لمصر لمساعدتها في بناء السد العالي الذي حمى مصر من العطش فيما بعد ، قامت الثورة وعلى رأسها جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس مما استفز دول العدوان الثلاثي ، فانعقد مؤتمر الدول الثماني عشرة في لندن ليجئ منزيس رئيس وزراء أستراليا إلى مصر وهو يحمل تهديدا إلى إلى القيادة المصرية ولكن عبد الناصر طرده شر طردة ، ووقفت مصر وقفة رجل واحد وراء عبد الناصر وقيادته وانتصرت مصر واندحر المعتدون مما عزز دور مصر القومي وكرسها رائدة لحركة التحرر العربي والعالمي وحركة عدم الانحياز ، وتم توقيع اتفاقية الوحدة بين مصر وسوريا مما جعل الرجعية العربية والدول الاستعمارية تتآمر على هذه الوحدة بمجرد الإعلان عنها ، وبعد قيام ثورة 14 تموز أعلن عبد الناصر أن أي عدوان على العراق هو عدوان على الجمهورية العربية المتحدة تلتزم برده بالقوة مما جعل دول حلف بغداد ” السنتو ” تتراجع عن التدخل في العراق .
ولكن المنعطف الخطير في الثورة المصرية كان في تحولها إلى القضايا الاجتماعية ومحاولة نشر العدل بين مواطنيها فأصدرت قوانين يوليو الاشتراكية وقوانين الإصلاح الزراعي مما جعل أفاعي الرجعية إلى الخروج من جحورها في كل من سوريا ومصر والوطن العربي وتم ضرب وإجهاض أول تجربة وحدوية سنة 1961 ، فقام مأمون الكزبري وغيره من الانفصاليين بسلخ سوريا عن جسدها الطبيعي ، ولكن عبد الناصر لم يفقد إيمانه بالوحدة العربية واستمر في تطبيق المبادئ الستة التي تبنتها الثورة ، وحاول عبد الناصر إقامة حياة ديمقراطية سليمة فأنشأ الاتحاد القومي بعد حل الأحزاب واتبعت مصر نظام الحزب الواحد ، ومن بعده تم الإعلان عن قيام الاتحاد الاشتراكي العربي وأخذ عبد الناصر يطور نفسه فكريا فأعلن الميثاق القومي والذي أكد فيه على انه لا توجد سوى اشتراكية واحدة هي الاشتراكية العلمية وبدأ يفكر في التفرغ للعمل السياس وترك منصبه كرئيس للجمهورية ليشكل الاتحاد الاشتراكي عنصر ضبط ورقابة للسلطة التنفيذية ، ومع استمرار تطور فكر عبد الناصر والثورة المصرية لم يجد الغرب بدا من توجيه ضربة إلى الحركة الناصرية ممثلة في مصر فكانت حرب يونيو التي تم فيها ضرب ثلاثة جيوش عربية لا مجال للتحدث عن أسبابها وكيفية حدوث ما حدث ، ولكن هل يكبو الفرس الأصيل وهل يتراجع الفارس ؟ لم يتراجع الفارس ، وإن كان قد قدم استقالته وأعلن أنه يتحمل المسئولية الكاملة عن الهزيمة ، ولكن الجماهير بفطرتها رفضت الاستقالة ومنحته الثقة لمواصلة المسيرة فأعلن ان ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة وتم الإعلان عن لاءات مؤتمر الخرطوم التي خرج عنها نظام السادات لا حقا ، واستمر عبد الناصر على طريق المراجعة الفكرية الشاملة لفكر الثورة فأعلن منهجه الفكري في بيان مارس الشهير سنة 1968م ، هنا اتضحت الأمور أمام الغرب وتبين لهم ان الثورة لن تتراجع فقرروا التخلص من جسد عبد الناصر ودسوا له سم الأكونتين في مرهم التدليك الذي كان طبيبه يستخدمه ليبدو وكانه مات بالسكتة القلبية ، وقد اختاروا توقيتا مناسبا لهم للإعلان عن وفاة عبد الناصر بعد مجازر أيلول للإيحاء انه مات من الإجهاد أو بسبب تأنيب الضمير بعد أن حاولوا إشاعة أن عبد الناصر أعطى الضوء الأخضر للملك حسين لضرب الفسطينيين ، ولكن هل استطاعوا اعتيال فكر عبد الناصر كما اغتالوا جسده ، لم ولن يستطيعوا ذلك ، ومن لا يصدقني أطلب منه أن يسأل فقراء مصر الان الذين يترحمون على أيام عبد الناصر والذين هتفوا : ” عبد الناصر يا أبونا ، في غيابك جوعونا ” ، إن أعداء فكر عبد الناصر كانوا يخافون منه حيا وهم يخافون منه ميتا ، يخافون من الفكر الناصري القومي الاجتماعي وما زالوا يشنون عليه حملات التشويه ، خسئوا وخاب فألهم إن شاء الله ، واخير-ا أقول : ما احوجنا إلى روح عبد الناصر وفكره وما أحوجنا إلى وجوده بيننا .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.