فهد المضحكي يكتب | طه حسين رائد من رواد التنوير (1)
طه حسين رائد من رواد التنوير، في كتابه (قراءات في الفكر العربي الإسلامي) تحدث الباحث العراقي كامل شيَّاع عن مكانة طه حسين الفكرية التي هي موضع إجماع الداني والقاصي. وإن طه حسين (1889 – 1973) الذي سجل في الجزء الثالث من سيرته الذاتية (الأيام) استياءه لعدم إشارة سعد زغلول اليه كواحدٍ من أعمدة يقظة مصر الحديثة، حين اكتفى الأخير، في كلمة له ألقاها في ذكرى وفاة الشيخ المصلح محمد عبدو، بذكر ثلاثة أسماء فقط: محمد عبدو «الذي أحيا الحرية العقلية»، مصطفى كامل «الذي أذكى جذوة الحرية السياسية»، وقاسم أمين «الذي أحيا الحرية الاجتماعية». فمن المؤكد، كما يقول شيّاع، أن طه حسين ما كان يحتاج آنذاك ولا في أي فترة لاحقة الى الاعتراف بمكانته الفكرية كأحد أبرز رموز النهضة الحديثة في مصر والعالم العربي. بل إن شهرته التي طبقت الآفاق جعلت أديبًا من وزن الفرنسي أندريه جيد يرشحه، عام 1949 لنيل جائزة نوبل للآداب. تناول شيَّاع بالدراسة والبحث سيرة مفكرٍ مجددٍ مثل طه حسين الذي فرض حضوره المتميز على الحياة الثقافية والعلمية والسياسية في مصر طيلة نصف قرن. ألم يكن إيمانه بالدور التنويري لأهل العلم والثقافة وراء طرح كتابه الإشكالي «في الشعر الجاهلي» الذي دشن فيه قراءة التراث بمنهج النظر العقلي؟ ألم يكن هذا الإيمان أيضًا وراء تمسكه بإرساء تقاليد جامعية راقية وإسهامه في تأسيس جامعتي الإسكندرية وعين شمس، ثم إقراره مجانية التعليم الذي اعتبره حقًا للجميع؟ ولعل فضول البحث عن تفاصيل إضافية عن حياة عميد الأدب العربي وشهادة معاصريه فيه، هو الذي ساق ابراهيم عبدالعزيز في كتابه «رسائل طه حسين» مثل ما ساق قبل ذلك في كتابه «أوراق مجهولة لطه حسين» و«أيام العمر: رسائل خاصة بين طه حسين وتوفيق الحكيم».
في مقدمة الكتاب، يشير نجيب محفوظ الى أنه تضمن «وثائق وأوراق ومراسلات طه حسين مع نجوم عصره في الأدب والفن والسياسية والقانون»، وأنه يسهم في إضاءة شخصية الرجل، «وتقربها إلينا في كل صورها الإنسانية والنفسية، ويجعلنا نعيش مع رجل ملأ عصره ولا يزال يثير الجدل بعد رحيله…»، نظرة أولى الى أسماء الذين تبادلوا الرسائل مع عميد الأدب العربي، تكفي للتأكد من صحة ملاحظة محفوظ، فمن بين السياسيين نقرأ رسائل شخصية من مصطفى النحاس وأحمد نجيب الهلالي اللذين ترأسا الوزارة المصرية عن حزب الوفد. ويتحدث النحاس عن كتاب «على هامش السيرة» قائلاً: «أحدثت في الأدب العربي ألوانًا من الفن القوي» في حين اقترح طه حسين على الهلالي الذي كان وزيرًا للمعارف في الثلاثينات بأن تكون مدرسة المعلمين العليا مختلطة بين الجنسين، على غرار ما قامت به وزارة المعارف الفرنسية.
عندما كتب طه حسين عن الحرية قائلاً: «الحرية تحمل الأحرار أعباء ثقالاً» كان يلخص، كما تضمن تفسير الباحث المصري الشريف منجود في أحد إعداد مجلة إبداع ما مر به، وما يمر به كل مصلح ثوري في المجتمع، إذ لخص حياته المليئة بالثورة الدائمة، التي اجتاحت الفكر العربي، الراكن في ذكريات شاخت وتقاليد أماتته وعطلته فترات عديدة، حتى خرج طه حسين صارخًا في وجه الخاصة فبل العامة، ليواجه بعد ذلك صراعًا مريرًا طيله حياته وأعباء طه حسين وغيره ممن طرقوا باب المعرفة والثقافة، هي أعباء الوصول إلى المجتمع وليس العزلة وترك الجهل ينهش في ضمير الأمة، ودراسة عقبات النهضة والإصلاح، وما يحتاجه هذا المجتمع للنهوض. فدور المثقف لديه أن «يفهم حياة الناس من حوله، ويعرف موضع حاجتهم إلى الانتفاع بالثقافة. فالمثقف الذي يعيش بين الناس ولا يفهم حياتهم ولا يتعمق في نظمهم الاجتماعية والسياسية، ولا يلاحظ نشاطهم اليومي عاجز كل العجز أن ينفعهم حق النفع.