فهد المضحكي يكتب | طه حسين رائد من رواد التنوير (2)

0

يمثل طه حسين صورة النهضة في الثقافة العربية، كونه رائد العقلانية والداعي إليها، فحين نطالع أفكار طه حسين من خلال ما كتب منذ الفترة المبكرة من حياته وحتى رحيله، نجده نموذجًا للمثقف العقلاني، الذي يسعى دائمًا الى ترسيخ مبدأ النقد الذاتي الذي يحيله دائمًا الى نقد الآخر، ومنه يستخرج المعرفة وتتكشف له الحقيقة، ونقد الذات عند طه حسين هو نقد التراث الذي بات حبيسًا لا يستطيع أحد الاقتراب منه.

ربما هذه النقطة التي انطلق منها هي ما جعلته الأنموذج في تلك المرحلة وما تلاها وحتى يومنا هذا. استطاع كذلك أن يكتشف لنا معايير النهضة، وإذا ما استعان بالغرب لتوضيح تلك المعايير فإنما يستعين بواقع هو تقدم الغرب أمام تأخر العرب /‏ المسلمين ولم يعبأ بالتابوهات ولا بتضخم الذات التي كان عليها مفكرو عصره، فمن العقل نقد الذات التي بالتبعية سوف تتطور تطورًا يعظم من شأنها، ربما كانت تلك هي الرؤية الخالدة التي أقامها طه حسين وسعى من أجلها، وصار أحد روادها القلائل الذين تنتسب اليهم النهضة العربية، فاذا كان الإمام محمد عبدو قد بدأ الطريق وأكمله تلاميذه (قاسم أمين – سعد وفتحي زغلول – لطفي السيد)، فإن طه حسين قد سبقهم الى العقل، وصار به المثقف الذي يملك مفاتيح العقل، يبحث به عن الوجود الحر دون قيود او شروط دون انصياع او خضوع لسلطة ما، فهو اذا طلب الثورة فعل، واذا حاربته الثورة المضادة صمد حتى يتم ثورته، وظهر عليهم بأفكاره التي تصبح فيما بعد ميراث العقل البشري، الذي تتوارثه الأجيال الصالحة أبناء الثورة الحقيقية، يسيء الى تحقيق ذاته أمام تحد ضخم يواجهه كي يصل إلى عتبات التقدم الحقيقي، ويواكب العصر الحديث وما فيه من إبداعات واكتشافات، وكم هو صعب أن تجد مثقفًا ثوريًا في ظل مجتمع تسيطر عليه العادات والتقاليد، وتحتويه رؤية عقائدية جامدة تحارب الرأي الآخر الذي يخالفها، وبجانب هذا ما أصاب التراث القديم ومازال متصلاً بنا في الحاضر – معتقدات غيبية سعت إلى تحطيم العقل وتهميشه، وهذا هو السبب الأساسي في تأخرنا والركون الى اللاوعي، وهذا الوسط لا يساعد أبدًا على البحث والتفكير.

عاش طه حسين في فترة من أهم فترات مصر الليبرالية، حيث نشأة الروح القومية، والأحزاب السياسية المعاصرة، وروح النهضة المنطلقة مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وتحول مصر الليبرالي بعد ثورة 1919. وخروج المرأة إلى الشارع، وانتشار الجرائد والمطابع ودستور 1923، وغير ذلك، فقد كانت تلك الفترة بمثابة فتح جديد لمصر على يد كثيرين من أبنائها تلاميذ الإمام محمد عبدو. لقد مارس طه حسين مع عصره تلك النهضة الخاصة، وسعى أن يكون جزءًا من تلك الثورة، حتى صار نموذجا للمثقف الثوري الذي يتجلى في مبحثه الشهير (في الشعر الجاهلي) الذي نال به شهرة عالمية، كما نال به أذى وإقصاء وتكفير من جانب الثورة المضادة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.