محمد عبد الكريم يوسف يكتب | المرأة في وسائل الإعلام (2)

0

أحد أسباب الصور التمييزية للمرأة في وسائل الإعلام هو حقيقة أن المنتجات الإعلامية، كقاعدة عامة يتم إنشاؤها من قبل الرجال ووفق أذواق الرجال ومن أجل الرجال. في عام 2012، أجرت المؤسسة الإعلامية الدولية للمرأة دراسة حول وكالات الأنباء والمؤسسات العالمية لتحديد وضع المرأة في وسائل الإعلام. أوضحت هذه الدراسة الفريدة الواسعة النطاق أن النساء ما زلن يواجهن مشاكل في تحقيق المساواة في جميع مجالات الإعلام.
وكشفت الدراسة الاستقصائية التي أجريت في 59 بلدا، أن النساء يشكلن 33.3 في المائة فقط من العاملين بدوام كامل في 522 منظمة شاركت في الدراسة الاستقصائية. ويشغل الرجال في جميع البلدان تقريبًا مناصب أعلى. ومن المثير للاهتمام أن أوغندا وروسيا من بين البلدان التي يتصدر فيها الرجال والنساء تقريبًا مناصب قيادية. لسوء الحظ، لم يغير هذا من صور النساء في وسائل الإعلام. ويوضح علماء الاجتماع وتشير نتائج أبحاثهم أن مشاركة المرأة في العمل الإعلامي ليس كافيا لإحداث تغيير في كيفية تصوير النساء في وسائل الإعلام. لا ينبغي أن تكون المرأة ممثلة في الإدارة العليا فحسب بل يجب أن يكون لها تأثير كبير على عملية صنع القرار ويجب أن تخضع أيضًا للتدريب المهني الجيد والكافي. وعلى خلاف ذلك، فإن الصحفيات والإعلاميات، اللواتي تلقين تعليمهن بالقواعد الإعلامية للنظام الأبوي الذكور غالبًا ما يستنسخن الصور الجنسية للمرأة ويعدن إنتاجها بصور جنسية شتى.
ومن هذا المنطلق، قام عدد من المنظمات الدولية بإبرام الاتفاقيات والمعاهدات مع الدول التي تدعم تدريب العاملين في وسائل الإعلام من خلال تزويدهم بالأدوات والمعرفة اللازمة لتطوير سياسات مراعية للاعتبارات الحساسة للمسائل الجنسية.
على الرغم من التغيير الهائل الذي حدث في مجال الإعلام بفضل النقد الأنثوي، فإن وسائل الإعلام المعاصرة لا تقترب من المعايير التي تدّعيها. وحتى في الولايات المتحدة وأوروبا حيث تنتشر الأفكار النسوية على نطاق واسع و حققت المرأة حقوقًا متساوية مع الرجل، لا تزال وسائل الإعلام مستمرة في ممارسة مواقف تمييزية تجاه المرأة وتعتمد على وجهة نظر الذكور عند تصوير النساء. وقد وثّق العديد من الباحثين والمحللين حقيقة أن المرأة في هذه البلدان ممثلة تمثيلًا ضعيفًا في وسائل الإعلام الأمر الذي كان له تأثير سلبي على تشكيل نظام القيم الفكرية.
لقد خضعت صورة النساء وإعرابهن عن قلق المرأة تجاه التغير الثوري الحاصل بسبب التكنولوجيا الحديثة وظهور أنواع جديدة من وسائل الإعلام. اليوم نحن جميعًا في واقع الأمر جزء من الإعلام ليس فقط كمستهلكين ولكن أيضًا كمنتجين. وأي شخص، امرأة كان أو رجل يمكنه تغطية مشاكلهن وقصصهن بأنفسهن وجعلها قضية عامة ونقلها إلى وسائل الإعلام للاستهلاك. ومع ذلك، فإن هذه الاحتمالات الجديدة تستحضر تحديات جديدة. في حالة الإعلام التقليدي كان من الممكن العمل مع القيادة والموظفين للحصول على التدريب وتحقيق بعض النتائج. أما في حالة وسائل التواصل الاجتماعي لا يعبر فقط عن رأيهم الأشخاص الذين يحتاجون للدعم وينشرون آراءهم بحرية كاملة ولكن يعبر أيضًا الأشخاص الذين يهددون هذه المجموعات وينشرون تعليقات تمييزية ومسيئة عنهم. وبالتالي، فإن نوعية المعلومات التي يتم نشرها في وسائل التواصل الاجتماعي والتعليقات على هذه المعلومات هي أكثر ميلًا للتمييز الجنسي والأبوية الذكورية. ولا يمكن تحقيق التغيير في هذا المجال إلا من خلال التأثير غير المباشر.
بعبارة أخرى، تقوم وسائل الإعلام التقليدية المتحيزة جنسيًا بتثقيف المواطنين المتحيزين جنسيًا والذين ينشرون وجهات نظرهم المميزة جنسيا عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ويبقى التغيير في السياسة الجنسانية لوسائط الإعلام التقليدية وامتثالها للمعايير الدولية أكثر الطرق فعالية لكسر هذه الحلقة المفرغة.

بقلم: آنّا دافيتيان جيفورجيان
ترجمة: محمد عبد الكريم يوسف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.