إسكندر أمبروز يكتب | مغالطة أحجار الشطرنج

0

متميزة عن غيرها من المغالطات المنطقية المشهورة والمعروفة , تعتبر هذه المغالطة من أهم المغالطات الاقتصادية والاجتماعية التي يجب أخذها بعين الاعتبار في أي مجال من مجالات الحياة , وخصوصاً مجال السياسة أو الاقتصاد أو صناعة القرار بشكل عام , حيث يقع في هذه المغالطة كل من يريد أن يفرض أيديولوجيا خبيثة معيّنة على مجموعة من البشر , فالشخص المتزمّت والمتشبث بفكر خاطئ ما , يريد فرضه على باقي أفراد المجتمع , وغالباً ما يكون مفتوناً بالجمال المفترض لخطته المثالية التي يريد فرضها , لدرجة أنه لا يستطيع أن يتخيل أي زعزعة بأي بند أو جانب من تلك الفكرة أو الخطة أو الايديولوجيا , وبالنسبة له تقديس الفكر ككل واتباعه بشكل أعمى دون أي تفكير بالعواقب هو خير ما يمكن فعله.
وهنا وفي هذه الحالة يقع ذلك الشخص أو القائد أو صاحب النفوذ بهذه المغالطة , فهو ينسف أي كيان لأي فرد من أفراد المجتمع من حوله , ويحاول تحريكهم على أنهم قطع شطرنج تتحرّك كما يريد هو باتجاهات محددة من قبل الايديولوجيا التي يتبناها , ضارباً عرض الحائط بكيان واستقلالية البشر وطبعهم الذي لن يتماشى مع ذلك الفكر الخاطئ والشمولي , والذي يتميز بتعقيدات لا يمكن اختصارها أو تحييدها.
وهنا نتجه لمقولة جوزيف توسمان الفيلسوف والمحاضر الأمريكي وعميد كلية الفلسفة في جامعة كاليفورنيا “ما يجب أن يتعلمه التلميذ , إذا تعلم أي شيء على الإطلاق , هو أن العالم سوف يقوم بمعظم العمل نيابة عنك , شريطة أن تتعاون معه من خلال تحديد كيفية عمله حقاً والتوافق مع تلك الحقائق , فنحن إمّا أن نتعلّم من الحقائق وكيفية سير الحياة , أو أن الحياة ستلقننا درساً قاسياً لن ننساه بواقعها”
وهذا ما يدفعنا للنظر الى حال أيديولوجيات الأديان الصمّاء التي ننتقدها ليل نهار , والتي تتطابق بشكل كامل مع هذه المغالطة , مرتكبة تلك الأخطاء الفادحة بحق مجتمعات عديدة ومليارات البشر حول العالم , فهي تفرض أيديولوجيا سقيمة على الأفراد , ومن ثم تحاول السير عكس التيّار الانساني العقلاني السليم , من خلال تشويه الفكر البشري ورمي مصالح الناس وحياتهم وحقيقة طبعهم الانساني وفطرتهم السليمة من الشباك , وتحريك مليارات البشر كأحجار الشطرنج على لوح الأيديولوجيا الباطلة والفاسدة , محاولة قدر الامكان أن تحصر وتقوض الحقائق الطبيعية للحياة الانسانية وكيفية سير المجتمعات بشكل مرن وصحي.
فمن عبث دين بول البعير الاقتصادي والاجتماعي والصحي والنفسي , الى هدم وتشويه أهم مكونات ومفاهيم المجتمعات البشرية الأخلاقية والانسانية والفكرية , الى تدمير ومحاربة طبائع البشر السليمة , كالتواصل بين الجنسين والحرية الفكرية وضرب التفكير النقدي ووضعه موضع الإجرام والخطأ…ألخ , من محاولات عديدة لتسيير البشر كأحجار صمّاء لا كيان لها , على أرضيّة الخرافة الدينية وهبلها وهلاوسها.
وهذا طبعاً أمر خاطئ , فالمجتمعات البشرية والفطرة الانسانية السليمة هي التيّار الجارف , والدين وغباؤه المستمر وفساده الفظيع هو من يسير على عكس ذلك التيّار , والنتيجة نراها اليوم في مجتمعاتنا كل يوم , فالبشر بطبعهم أحرار لا يمكن تسييرهم كأحجار شطرنج أو كقطع في لعبة ما , وهذا ما ترفض الأديان الاعتراف به أو أخذه بعين الاعتبار , وما نشهده اليوم من مشاكل اجتماعية ونفسية لدى شعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا , هو نتيجة لهذا العبث الديني وفرضه لسد يحصر التيّار الانساني وتطوّره المستمر.
وكما قال آدم سميث الاقتصادي السكوتلندي العظيم في هذا الخصوص “كل شخص نتعامل معه لديه أهدافه ومشاعره وتطلعاته ودوافعه , ولو أردنا بناء مجتمع سليم , فعلينا وضع الطبيعة البشرية كحجر أساس لذلك المجتمع”
فأي مجتمع يرفض هذه الحقيقة , سيظل على صراع دائم مع العالم والطبيعة والحياة , فمن يسبح عكس التيّار لن يفلح مهما بذل من جهد , ومهما اشتدت قوّته , فالطبيعة البشرية أقوى من أن يتم حصرها في أدوار كأحجار تتحرّك في لعبة يلعبها ثلّة من المغيّبين والجهلة , كأمثال كلاب الدين أو السياسيين الحمقى كهتلر أو ستالين أو غيرهم مِمَّن فشلوا فشلاً ذريعاً لأنهم رفضوا اعتبار واحترام الدوافع الأساسية للأشخاص في المجتمعات التي حكموها , وفشلوا في إجراء تحليل ثانوي لعواقب سياساتهم ومعتقداتهم المفسدة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.