رحاب عبدالله تكتب | رسالة إلى المرأة.. حطمي القالب واكسري الإطار

0

عزيزي الإنسان.. عزيزتي الإنسانة
آن الأوان لكي نكسر القواعد والقيود. لكي نهرب من ذلك الإطار المقيت الذي لا يناسب التطور البشري والإنساني.. فسنة الحياة التغير والتجديد وفقا لمقتضيات الأمور ومستجداتها.. أن الأوان لكي نطلق أرواحنا تحلق وترسم شكل الحياة التي تحلم بها دون أن تضع في الحسبان ذلك القالب الذي يحاولون صب الجميع بداخله فنخرج منه مسوخ لا تشبه أنفسنا ولا نعرف وجوهنا.
كل يوم يخرج علينا من يفرض على المرأة أمور سواء شكلية كالزي والمظهر والعطر وغيرها أو أمور حياتية كسن الزواج وضرورة الإنجاب ثم أن يكون لديها بدل الطفل اثنين ثم من يطلب منها أن تكتفي ببيتها وأن كيانها هو كيان أسرتها ثم صوتا آخر يحذر : اياكي أن تنسي كيانك.
حديث عن قائمة المنقولات ومقدار المهر وحجم الذهب وحق الشقة ومستوى حفل الزفاف ووصل التدخل لفرض عدد من مستلزمات المنزل بدونها تقف وتهدم الزيجات، ثم أخيرا الحديث عن رضاعة الطفل والأعمال المنزلية وغيرها من التدخل لرسم أدق تفاصيل الحياة سواء لإذلال المرأة أو حتى تحت مسمى الدفاع عن حقوقها دون أن يتفضل أحد ويسألها ماذا تريد؟ وما الذي يسعدها ؟ كيف تخطط لحياتها ؟ ماذا تريد من الزواج ؟ ولماذا من الأساس تفكر فيه ؟
إن الحديث عن كل ما سبق هو تفريغ للحياة من مضمونها لصالح قوالب متطرفة أما تهدف لتحويل المرأة لسلعة أو شىء لا يرقى إلى مستوى الإنسان أو جذبها نحو نوع آخر من التطرف للتمرد الأعمى على كل شيء. إذا ما الحل؟
الحل هو أن نكف عن رسم مستقبل الآخرين أن نربي المرأة باعتبارها إنسان لها مشروعها الخاص الذي تبنيه وتخطط له بنفسها والذي ليس بالضرورة أن يتوافق أو يتشابه مع مشروعات الأخريات.. هي إنسان في الأساس من حقها تختار الحياة التي تريدها دون أية ضغوط ودون أن يخنقها أي إطار وعندما تقرر الزواج فهي تبحث عن شريك ليكمل معها مشروع حياتها وليس وسيلة للستر والإنفاق عليها.. فيرسمان معا طريقا يختارانه بأنفسهما دون ضغوط .. وفي تلك الحياة فكلاهما شريك.
على سبيل المثال إن كان كلاهما يعمل فالأعباء المنزلية وتربية الأبناء مشتركة وعليها كذلك المساهمة المادية في المنزل دون إجبار لأنهما سيدركان وقتها معنى الشراكة فأسرتهما هي مشروعهما، وإن كان هو يعمل وهي لا فستحتم عليها شراكتها أن تتحمل العبء الأكبر من الأعمال المنزلية وشئون الأطفال وهو كذلك يجب أن يعلم أنها شريكته تتحمل عنه عبء المنزل والتربية وبالتالي فهي شريكة فيما يكسب.
لقد شاهدت فيلما أمريكا كانت الزوجة تقوم بكافة الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال والزوج يعمل بمبلغ على ما أذكر ٢٠٠٠ دولار شهريا ثم حظيت الزوجة بفرصة عمل ستحصل بموجبها على ١٥ ألف دولار شهريا وهنا تحدثا معا أن هذا الراتب لا يمكن رفضه فقرر الشريكان تبادل الأدوار فحصلت الزوجة على العمل وتولى الزوج أعباء المنزل والتربية وعاشا شركاء وسعداء وتمكنا من تحقيق أحلامهما لا هي اهانته وقالت له هذا مالي لأنها تعلم جيدا أن لولا عنايته بالبيت والأطفال لما تمكنت من الحصول على تلك الوظيفة وبالتالي فبدونه لن تحصل على ذلك المال، ولا هو أجبرها على رفض الوظيفة حرصا على رجولته وارضاءا للمجتمع، وغيرة من نجاحها.
تخيلت لحظة لو حدث هذا في مجتمعنا ماذا سيكون مصير تلك الأسرة وما هي حجم الإهانة التي سيتعرض لها هذا الزوج والتي قد تجعله يقتل زوجته يوما ما أو على أقصى تقدير سينفصلا ويضيع هذا الكيان والأسرة والأطفال.
في السياق ذاته، رفع زوج قضية نفقة على زوجته وهو أمر غير معتاد في مجتمعنا ولكن من وجهة نظر الشراكة في الحياة هو أمر من الممكن أن يكون مقبولا جدا في حالة أن أصيب الشريك بعجز يمنعه عن العمل أو يكون مريضا وغير قادر على البحث عن مصدر رزق في حين أن الزوجة تعمل ولديها مصدر دخل مناسب فهي من مبدأ الشراكة لديها التزام تجاه مشروعهما وحياتهما وعليها تأدية تلك المسئولية ولدينا بالفعل آلاف السيدات المعيلات لأسر بسبب عجز الزوج أو مرضه أو وفاته وهن أعظم مثال على ذلك.
أما فكرة رضاعة الصغير فهي مسئولية الأم حتى لو انفصلت أو لم يجبرها على ذلك عرف أو دين فوجود هذا الصغير واعتماده عليها هو أمر لا يحتمل الأقاويل والنصائح وليس مجالا للفتوى من الأساس ما دام صحتها تسمح بذلك ولا خطر عليها، وبالتالي فهذا الحديث من بدايته عبث واختيار خاطىء.. فالأطفال ليسوا موضع للضغط على الزوج أو الزوجة أو محل تفاوض على أجر رضاعتهم وتربيتهم من الأساس هم خارج هذا الصراع وعلى كل شريك منحهم حقهم كاملا دون أن يكونوا طرفا في خلاف لا ناقة لهم فيه ولا جمل.
ومن هنا أن الأوان لوقف الاستقطاب في قضايا المرأة أولا والأسرة ثانيا علينا أن نربي أبنائنا على تحمل المسئولية سواء في الدراسة أو العمل أو اختيار الحياة التي يريدونها والالتزام تجاه كافة اختياراتهم فلا هم في حاجة لفتوى أو لتصريح أو لخريطة يرسمها لهم أحدهم فقط يجب أن يكونوا أنفسهم ويصنعوا الحياة التي يريدونها وفقا لامكانياتهم، فما يصلح لزوجين ليس بالضروري أن يصلح لغيرهما.
علينا أن نكف عن دس أنوفنا في حياة الآخرين أن نحاول استنشاق الحرية.. حقنا في الاختيار الذي منحنا الله له بعيدا عن الوصايا الدينية والمجتمعية فالزوج والزوجة هم شركاء مشروع عليهم اختيار إدارته بالطريقة التي تحقق لهم السعادة والراحة وتحقق مصلحة أبنائهم في المقام الأول.
اسألوا أبنائكم وبناتكم ماذا يريدون؟ وما هي أحلامهم؟ لا تزايدوا عليهم .. حاربوا معهم ليكونوا أنفسهم.. ليس بالضرورة أن تتزوج الفتاة إذا لم تجد زوجا يشبهها ويشبه حلمها.. ليس من الضروري أن ينجب الزوجين إن كانا غير مستعدين لتلك المسئولية.. يمكنهما الزواج بأبسط التكاليف.. يمكنهما فعل أي شيء يحقق السعادة والاستقرار لحياتهما بعيدا عن مجتمع لا يعبأ سوى بفرض أفكار مجردة من سياقها وخلق مسوخ متشابهة تجاهد كي تتأقلم مع حياة لا تريدها وتحارب في معركة لا تعلم عنها شيئا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.