محمد حسين النجفي يكتب | سلمان رشدي وامتحان الحرية الفكرية

0

لابد لي من الاعتراف من انني لم اقرأ كتاب “الآيات الشيطانية”، ولكن سمعت وقرأتُ الكثير عنه وعن كاتبه “سلمان رشدي” منذ عام 1988 ولحد يومنا هذا. ومع ذلك فإن عنوان الكتاب يكفي لاستفزاز مشاعر أي مُسلم سواء أكان متديناً او علمانياً، فما بالك برد فعل علماء الدين ومقلديهم سواء فقهياً ام سياسياً.
حينما صدر الكتاب لمؤلفه البريطاني الجنسية المسلم بالولادة ومن الأصول الهندية، أحدث زوبعة هادرة في مناخ السياسة، والحرية الفكرية، وكان امتحان صعباً لتقبل آراء الغير. وخلق مناخ للصراع ما بين الثقافة الغربية الحديثة وما بين العقائد والمشاعر الراسخة في أعماق المجتمعات الإسلامية.
احتجت الدول والمنظمات الإسلامية وخرجت العديد من المظاهرات، وكان اقوى رد فعل من آية الله الخميني الذي أهدر دم رشدي باعتباره مُسلم مرتد. كذلك أحتج عليه وهذه ربما تكون مفارقة “أتحاد الكتاب السوفييت” ولم تحتج عليه أي منظمة او دولة غربية بل على العكس روجوا له بحماس، واعتبروه رمزاً لحرية التعبير والتأليف. انتقده اتحاد الكتاب السوفييت لأنه كتاب يستفز مشاعر وعقائد مئات الملايين من المسلمين.
السؤال هو: هل ان حرية الرأي هي حرية مطلقة بحيث يستطيع أي انسان أي يطعن برموز ومرجعيات ومقدسات الآخرين! ام ان هذه الحرية مشروطة كغيرها من الحريات “على ان لا تلحق اذى بالغير”. فعلى سبيل المثال حينما احرق المتظاهرون المناوئون لحرب فيتنام العلم الأمريكي في المدن الأمريكية، تمّ اعتقالهم ومحاكمتهم على حرق رمز من رموز الوطن الأمريكي. كذلك هل يحق لسلمان رشدي ان يلعن او يُشيطن ملكة بريطانيا لأي سبب من الأسباب! طبعاً هذا غير مسموح به، لأن الملكة رمز مصان للمملكة المتحدة.
السؤال هو: هل ان العلم الأمريكي وملكة بريطانيا أكثر قدسية من القرآن الكريم وأكثر قدسية من الرسول محمد (ص). سيقول لك بعض العلمانيون نعم، وذلك لجهلهم من ان العلمانية تعني حرية الأديان واحترام المعتقدات وليس الغائها او محاربتها، ولذلك تفصل الدولة عن الدين، لتكون حيادية في حماية تعددية المعتقدات والأديان.
جرت قبل فترة محاولة اغتيال سلمان رشدي في نيويورك على ايدي شاب لم يكن مولوداً حينما صدر الكتاب. وهذا ما يطرح السؤال مجدداً: هل ان فتوى هدر دم كاتب الآيات الشيطانية هي صحيحة ومناسبة وأدت هدفها في خدمة المعتقدات والمجتمعات الإسلامية! الجواب: لا اعتقد ذلك. كان الأفضل ان يكون لهم أسوة بسيدنا موسى في قبوله التحدي مع سحرة فرعون وفي مجلسهم، وبدأ بتحديه (قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ (30)) فيقبل فرعون التحدي (قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31)). فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) (سورة الشعراء). وهنا لا اريد ان اناقش الموضوع دينياً، لأننا نعلم ان التفاسير حمالة أوجه. انما اللجوء الى عقوبة دموية يعني الفشل في المجابهة الثقافية السلمية، ليس في هذا المنحى فقط، وانما في العديد من مجالات المباراة الثقافية والاقتصادية والسياسية.
العالم الغربي مُخطئ في اسناده وتشجيعه للأطروحات الغير هادفة انسانياً مثل نشر كتاب الآيات الشيطانية عام 1988، ونشر رسوم كارتونية مسيئة لنبي المسلمين في “شارلي إيبدو” الفرنسية عام 2015، إلا ان ردود الفعل من قبل المجتمعات الإسلامية ربما كانت أكثر خطأً، ليس لأنها أدت الى شهرة واغتناء ناشريها، انما لأنها كانت عنيفة وغير سلمية وغير حضارية وغير تربوية. العالم الغربي لا يملك حساسية لمعتقدات الشعوب الأخرى، ويتحدث معهم من خلال لغته الغير مترجمة. وعالم الشرق الذي يعيش مخاضاً ليجدد نفسه، يخاطب الغرب بلغة من الصعب ترجمتها للغات الأوروبية. وبالتالي فإنه حوار الخرسان مع الطرشان. إلا انه يبقى خطر الوقوع في فخ الاستفزاز غير مبرر، لأننا نعيش في عالم ينام ويده على الزناد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.